للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما سكت عنه، فهو معفو عنه فمن زاد على ذلك شيئًا كان مراغمًا لنص القرآن أو طاعنًا في بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو زاعمًا أنه هو أكمل منه علمًا بالدين، وقد قال مالك رضي الله عنه لمن أراد أن يحرم بالحج من المسجد النبوي: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة فقال الرجل وأي فتنة في هذا؟ إنما هي أميال أزيدها قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك قد سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (١) .

ومن أجل كلامه رضي الله عنه في ذلك قوله من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها، فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين (٢) / قال الشاطبي: ولذلك التزم مالك في العبادات عدم الالتفات إلى المعاني وإن ظهرت لبادئ الرأي وقوفًا مع ما فهم من مقصود الشارع فيها من التسليم على ما هي عليه (٣) ولم يلتفت رضي الله عنه في إزالة الأحداث ورفعها إلى مطلق النظافة التي اعتبرها غيره حتى اشترط في رفعها النية، ولم يجعل غير الماء المطلق الذي لم يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه. وكذلك امتنع من إقامة التكبير والتسليم في القراءة بغير العربية، ولم يجعل غيرها يقوم مقامها في التحليل والتحريم والإجزاء، وكذلك منع من إخراج القيم في الزكاة واقتصر في الكفارات على مراعاة العدد وما أشبه ذلك ومسلكه في هذا كله دائر على ما حده الشرع دون ما يقتضيه معنى من المعاني مناسب، وذلك لقلة وجوده في التعبديات وندوره في الديانات وهو رضي الله عنه بخلافه في العادات الذي هو جار على المعنى المناسب، الظاهر للعقول فقد استرسل فيه استرسال المدل العريق في فهم معاني المصالح مع مراعاة مقصود الشارع وعدم مناقضة تلك المصلحة لأصل من أصوله التي قسمها العلماء إلى ثلاثة: مناسب علم اعتباره الشارع له، ومناسب علم إلغاؤه له ومناسب لم يعلم إلغاؤه ولا اعتباره، وهو الذي لم يشهد له أصل معين بالاعتبار بل أخذ من مقاصد الشريعة العامة وهو المسمى بالمصالح المرسلة (٤) .


(١) سورة النور: الآية ٦٣
(٢) الاعتصام ,للشاطبي: ١ /١٦٧- ٢ /١٩٨
(٣) الشاطبي: ٣/ ٣٠٠
(٤) ارشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ,للشوكاني

<<  <  ج: ص:  >  >>