للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه الثاني: أن السنة إنما جاءت لبيان الكتاب الكريم وشرح معانيه بدليل قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (١) .

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (٢) .

والتبليغ يشمل تبليغ الكتاب وبيان معانيه، فالسنة مبينة لكتاب الله وشارحة لمعاينه ومفصلة لمجمله.

وعلى هذا فالقرآن هو أصل الأصول ومصدر المصادر ومرجع الأدلة جميعًا.

ترتيب الأدلة:

بما أن القرآن الكريم هو مرجع الأدلة جميعًا ومصدر المصادر كما قلنا، فمن البديهي إذن أن يقدم عليها عند الرجوع إلى معرفة الحكم الشرعي، فإذا لم يوجد الحكم فيه، وجب الرجوع إلى السنة، لأنها على ما ذكرنا مبينة للكتاب وشارحة لمعانيه، فمن البديهي أن تأتي في المرتبة الثانية بعده، فإذا تعذر علينا الحصول على الحكم في السنة، لزم الرجوع إلى الإجماع، لأن مستند الإجماع نص من الكتاب أو السنة، فإن لم يكن إجماع في المسألة، وجب الرجوع إلى القياس.

فترتيب الأدلة في الرجوع إليها واستنباط الأحكام منها يكون على هذا النحو: الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى القول: بحجية الإجماع والقياس واعتبارهما مصدرين للأحكام الشرعية بالإضافة إلى الكتاب والسنة، وقد دل على هذا الترتيب آثار كثيرة، منها:

١- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ عندما أرسله إلى اليمن: ((كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟)) قال: أقضي بكتاب الله، قال ((فإن لم تجد؟)) قال: أقضي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ((فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟)) قال: أجتهد برأي ولا آلو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره، وقال ((الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله)) (٣) .


(١) سورة النحل: الآية ٤٤.
(٢) سورة المائدة: الآية ٦٧.
(٣) الأحكام السلطانية، للماوردي، ص٥٨ دار الكتب العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>