للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن العرف القولي الخاص، الألفاظ التي اصطلح عليها أهل كل علم من العلوم أو أصحاب الحرف والصناعات التي يقصدون عند إطلاقها لفظًا اصطلاحيًّا معينًا.

والعرف القولي الخاص، يخصص العرف العام باتفاق الحنفية والشافعية، فإذا أطلقت الدراهم أو الدنانير في بلد، فإنه يراد بها النقد الغالب في تلك البلد.

أما الفعلي الخاص، فإنه مخصص للعام منه عند الحنفية دون الشافعية، فإذا قال رجل لآخر: اشترِ لي طعامًا أو لحمًا، فإنه ينصرف إلى البر ولحم الضأن عملًا بالعرف العملي (١) .

العرف الصحيح: هو ما تعارف عليه الناس ولم يخالف نصًّا من نصوص الشريعة، أو ما يدل دليل على بطلانه أو فساده. وذلك كتعارف الناس على أن ما يقدمه الخاطب إلى مخطوبته من ثياب ونحوها يعتبر هدية ولا يدخل في المهر. وكتعارف الناس في العراق على أن المهر المؤجل لا تستحقه الزوجة إلا بفرقة من طلاق أو موت.

العرف الفاسد: بعد أن وضحنا العرف الصحيح، تبين لنا بوضوح العرف الفاسد، فهو كل ما خالف نصًّا من نصوص الشريعة أو قام الدليل على بطلانه، وذلك كتعامل الناس بالربا أو اعتيادهم لعب القمار، وذلك مثل عقود التأمين على الحياة والعقود الواقعة تحت الغرر.

حجية العرف: العرف معتبر في كثير من الأحكام الشرعية العملية بين الناس لما له من تأثير واسع في استنباط الأحكام والاجتهاد فيها، وذلك لأن كثيرًا من أعمال الناس وألفاظهم ومعاملاتهم وشؤون حياتهم تقوم على ما اعتادوه وتعارفوه، فلا بد من النظر إلى هذا المألوف المتعارف حين استخراج الحكم الشرعي للمسائل المتجددة أو المشكلات التي تنشأ بين الناس. والقواعد الشرعية المعتمدة على النصوص لا تستوعب جميع التفصيلات والمسائل المتجددة، وإنما تتخذ أساسًا في نصها أو روحها للاجتهاد وبيان الأحكام، والعرف يساعد في هذا الاجتهاد ويعين المجتهد على تفهم الواقعة وتطبيق الحكم الشرعي عليها، سواء أكان ذلك في معاني الكلمات وعبارات الناس أو في معاملاتهم وعقودهم، حتى أصبح العرف الصحيح ذريعة إلى تبدل الأحكام وتغيرها باختلاف أعراف الناس في بيئاتهم المختلفة وأماكنهم المتغايرة (٢) . وهذا هو سر تغير اجتهادات الإمام الشافعي في مسائل كثيرة توصل إليها حين كان في بلاد العراق، فلما انتقل إلى مصر ورأى تغير أعراف الناس وعاداتهم، عدل عن كثير من أقواله في العراق، حتى صارت اجتهاداته الجديدة تعرف بالمذهب الجديد والتي عدل عنها بالمذهب القديم. والمالكية يقيمون للعرف وزنًا كبيرًا ويعتبرونه أصلًا من الأصول الفقهية فيما لا يكون فيه نص قطعي.

ويتركون القياس إذا خالف العرف، وقد ورد عن القرطبي في باب الاستحسان أن من ضروبه ترك القياس لأجل العرف وهو يخصص العام ويقيد المطلق عندهم، وقد ذكر أبو العباس القرافي بأن العوائد تعتبر من الأدلة على مشروعية التصرفات (٣) .


(١) ابن عابدية في رسالته نشر العرف: ص٣.
(٢) راجع نظرية العرف للدكتور عبد العزيز الخياط: ص٣٩.
(٣) راجع الفروق: ٣ /٢٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>