للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابن نجيم الحنفي " بأن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه في الفقة في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلًا " (١) وقد ورد على لسان ابن عابدين أيضا " بأن الثابت بالعرف كالثابت بالنص (٢) ومن أقوالهم الدالة على حجية العرف " العادة محكمة ": " والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا " وأراد بعضهم الاستدلال بقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} على حجية العرف وكونه دليلًا معتبرًا في الشرع، ولكن هذه الحجة ضعيفة، لأن العرف في الآية هو المعروف وهو ما عرف حسنه ووجب فعله، وهو كل ما أمرت به الشريعة.

واحتج البعض (٣) بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن)) على حجية العرف، وهذا الاستدلال ضعيف، فقد قال غير واحد من العلماء إنه موقوف على ابن مسعود، ودلالته تشير إلى حجية الإجماع لا العرف (٤) ، إلا إذا كان مستند الإجماع عرفًا صحيحًا فتكون دلالته هذا الأثر قاصرة على نوع من أنواع العرف لا على مطلق العرف.

والحق أن العرف معتبر في الشرع ويصح ابتناء الأحكام عليه، وهو في الحقيقة ليس بدليل مستقل ولكنه يرجع إلى أدلة الشريعة المعتبرة، والدليل على ذلك أمور عديدة منها:

أولًا: وجدنا الشارع الحكيم يراعي أعراف العرف الصالحة، من ذلك إقراره لنوع من التعامل المالي عندهم كالمضاربة والبيوع والإجارات الخالية من المفاسد (٥) كما استثنى السلم من عموم نهيه عن بيع الإنسان ما ليس عنده، لجريان عرف أهل المدينة به ونهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرايا، وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بمثله من التمر خرصًا، أي تخمينًا، لتعارف المجتمع هذا النوع من البيع وحاجته إليه فدلت هذه التصرفات من الشارع الحكيم على رعاية العرف الصالح الذي استقرت عليه معاملات الناس، أما العرف الفاسد، فقد أبطله وألغاه، كما فعل في كثير من عادات الجاهلية مثل التبني وعدم توريث النساء وغير ذلك.


(١) الأشباه والنظائر: ص ٩٣.
(٢) انظر نشر العرف: ص٤
(٣) انظر بدائع الصنائع، للكاساني: ٥ /٢٢٣؛ وكذا المبسوط، للسرخسي: ١٢ /١٣٨.
(٤) انظر الآمدي في الأحكام: ٣ /١١٢.
(٥) أستاذنا زيدان في مؤلفه الوجيز في أصول الفقه: ص ٢٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>