للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الشيخ أبو زهرة: والفقه المالكي كالفقه الحنفي يأخذ بالعرف ويعتبره أصلًا من الأصول الفقهية فيما لا يكون فيه نص قطعي بل إنه أوغل في احترام العرف أكثر من المذهب الحنفي لأن المصالح المرسلة من دعامة الفقه المالكي في الاستدلال، ولا شك أن مراعاة العرف الذي لا فساد فيه ضرب من ضروب المصلحة لا يصح أن يتركه الفقيه بل يجب الأخذ به ولقد وجدنا المالكية يتركون القياس إذا خالفه العرف، وكذلك ورد عن القرطبي في باب الاستحسان أن من ضروبه ترك القياس لأجل العرف بل إن العرف يخصص العام ويقيد المطلق، عند المالكية (١) .

وقال العز بن عبد السلام الشافعي: (قاعدة الإيمان البناء على العرف إذا لم يضطرب، فإن اضطراب فالرجوع إلى اللغة) ، وقال: قال الفقهاء: كل ما ورد به الشرع مطلقًا ولا ضابط له فيه ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف (٢) .

ولا شك أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن لتقدير المجمع، هو كيفية الأخذ بالعرف واعتباره حكما صالحًا والعرف ينقسم في هذا الشأن إلى ثلاثة أقسام.

١- ما يقوم الدليل الخاص على اعتباره كمراعاة الكفاءة في النكاح ووضع الدية على العاقلة في القتل الخطأ، والتحقيق أن الشريعة العادلة لا تجعل نفس العادة قانونًا إلا أن تكون العادة معقولة صالحة.

٢- ما يقوم الدليل على نفيه كعادة الجاهلية في التبرج وطوافهم بالبيت عراة ومناصرة الأخ لأخيه وإن كان ظالما.

٣- ما لم يقم الدليل الخاص على اعتباره أو نفيه، وهذا موضع نظر المجتهدين، فيذهب كثير منهم إلى مراعاته ويجعلونه أصلا من أصول الشريعة ليبنون عليه فتاوى وأحكاما، وأكثر ما تجد هذه الفتاوى في كتب المالكية والحنفية والحنابلة. وفي مراعاة مثل هذه الأعراف تسهيل على المسلمين فيما لا يتعارض مع الشريعة وتمكينهم من تكييف معاملاتهم وأوضاعهم بما يتناسب وبيئتهم من غير تعارض مع الشرع.

وهناك مسائل فقهية كثيرة بنيت على الاحتجاج بالعرف ومن ذلك تجويز المذاهب الأربعة لبيع المعاطاة، وقد جوزوه استنادًا على العرف لأن الشارع لم يوضح كيفية معينة للإيجاب والقبول بل ترك هذا كله للعرف، وحينئذ فإن المبيع يكون صحيحا بالمعاطاة. وكذلك تحديد الحرز في السرقة وهو بالجملة كل شيء جرت العادة بحفظ الشيء المسروق فيه. ومن هذه الحالات يتضح مدى أهمية العرف وصلته القوية بالشريعة الغراء.


(١) الشيخ أبو زهرة، الإمام مالك: ص ٢٥٣.
(٢) نشر العرف: ص ٣

<<  <  ج: ص:  >  >>