للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول

مناقضة العرف والعوائد للشريعة الإِسلامية

المبحث الأول

سلطان العرف على الأمم والشعوب

للعرف سلطان كبير على الأفراد والمجتمعات الإِنسانية عبر العصور، وقد تحدَّث الشيخ أحمد فهمي أبو سنّة عن سلطان العرف وتأثيره، فقال: "مجموعة المصطلحات والتقاليد التي تعتادها كلُّ أمة وتتخذها منهاجًا للسير عليها لها في نفوس الأفراد احترام عظيم، بل لها عليهم السلطان القويُّ، حتى إنهم ليعدُّونها من ضروريات الحياة التي لا يُستَغْنَى عنها، ومن المفاخر التي يُعْتَزُّ بها، وقد ترتفع قداستها عند بعضهم إلى مرتبة الدَّين، فيرون أنفسهم ملزمين باعتناقها والجري على سُنَنِها، ويرون الخروج عليها إثمًا عظيمًا يستجلب الاستياء، ويدعو إلى الثورة " (١) . وقد عَلَّل الشيخ فهمي هذا بما توصل إليه علماء النفس من أن العمل بكثرة تكراره تتكيف به الأعصاب والأعضاء، فيأخذ مكانه من النفوس كالسيل بقوة انحداره يحتفر طريقه في الجبل، فكما أنَّه يصعب تحويله عن طريقه، فكذلك العرف يرسخ في النفوس بحيث يعسر زحزحتها عنه وبخاصة إذا اقتضته الحاجة (٢) .

ولما كان للعرف هذا السلطان وتلك المكانة، فإِنَّ أعراف الأمم والشعوب كانت هي الدساتير والقوانين التي تحكم تلك الأمم والشعوب.

يقول الدكتور عبد المنعم فرج الصدَّة: "العرف أول مصدر رسميّ للقانون ظهر في تاريخ المجتمع البشري ... ولذلك كان له الشأن الأول في المجتمعات القديمة" (٣) .

ويقول الدكتور إسماعيل مرزة: لا نزاع في أن العرف كان مصدرًا رسميًّا، بل المصدر الرسميّ الوحيد للقانون في المجتمعات السياسية الأولى (٤) ، ذلك لأنَّ العرف يعدُّ من الناحية التاريخية أسبق من القانون المعروف، لذلك كانت الدساتير تقوم على العرف بصورة رئيسية، ولم تدوَّن إلاَّ بعد الثورتين: الأمريكية والفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر.


(١) العرف والعادة في رأي الفقهاء، لأحمد فهمي أبي سنَّة: ص ١٦.
(٢) العرف والعادة في رأي الفقهاء، لأحمد فهمي أبي سنَّة: ص ١٦.
(٣) أصول القانون لعبد المنعم فرج الصدَّة: ١٢٣.
(٤) هذا الذي يردّده القانونيون من كون العرف هو أول مصدر رسمي للقانون في تاريخ المجتمع البشري غير صحيح، والحقُّ أن الشرائع التي جاءت من عند الله هي القانون الأول الذي حكم البشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>