للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففيما يخصُّ الحضارات القديمة جِدًّا كان العرف مصدرًا رسميًّا لـ "نواظم" المجتمعات السياسيَّة الأولى، وقد حافظ العرف على هذا المصدر الممتاز حتى في أغلب الحضارات الأحدث عهدًا من تلك المجتمعات السياسية، ففي الحضارات القديمة استحال العرف الذي كان سائدًا بين سكان ما بين الرافدين القدماء إلى شرائع قانونية مدوَّنة، ونشير مثلًا إلى قانون "بلاما" وقانون "لبت عشتار" وقانون" حمورابي" المشهور.

هذه القوانين وغيرها أحالت الأعراف التي كانت سائدة خلال هذه الحضارات القديمة إلى قواعد قانونية نافذة.

كذلك الحال بالنسبة إلى القانون الهندي المعروف بقانون "مانو" كما أن أحكام القانون المدني الروماني تجد أساسها في قواعد عرفيَّة مستقرَّة دونت على – الألواح الاثني عشر – بناء على نجاح كفاح طبقة "العوام" وانتصارهم ضدّ احتكار "الأشراف" للأحكام القانونية.

وقد بقيت "الألواح" نافذة المفعول نحو ألف سنة، ولم تلغ صراحة إلاَّ بتشريع مجاميع "جوستينيان" (١)

ولا يزال للعرف في بعض الدول المقام الأسمى "فالقانون الإِنجليزي كان مجموعة من العادات التي تخضع لها القبائل الأنجلو سكسونية، ثمَّ اقترنت بعادات القبائل النورماندية التي فتحت الجزيرة الإِنجليزية في القرن الحادي عشر، ولما تطورت المدنية الإِنجليزية صار القضاء مصدرًا رسميًّا للقانون إلى جانب العرف، ثمَّ قام التشريع مصدرًا آخر، فأصبح هو والقضاء المصدرين الرسميين في القانون الإِنجليزي في الوقت الحاضر".

والقانون الفرنسي القديم بدأ عرفًا، ثم امتزج به القانون الروماني بعد الفتح الروماني، ثم وُجِد قانون الكنيسة، وبعد ذلك انقسمت فرنسا إلى قسمين: القسم الشمالي يطبق العرف، والقسم الجنوبي يطبق القانون الروماني، ولما قويت الملكية في فرنسا جمعت قواعد العرف، وقام إلى جانبها التشريع مصدرًا رسميًّا للقانون، وصار التشريع يقوى حتى صدرت تقنينات نابليون، فأصبح هو المصدر الرسميُّ في القانون الفرنسي (٢)


(١) القانون الدستوري للدكتور إسماعيل مرزه: ص ٧٨.
(٢) أصول القانون لعبد المنعم فرج الصدَّة: ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>