للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨- ويبدو أن من جمع في المعنى بين العادة والعرف، لاحظ أن العادة قبل أن تستقر في العمل وتطمئن إليها النفوس، لا يعول عليها أصولي أو فقيه في مجال الأحكام الشرعية، فإذا ما توافر لها من الشروط ما يضعها موضع الاعتبار فإنها تسمى عرفًا، ولا ضير في استصحاب الإطلاق الأصلي " عادة " ما دام المراد منه قد وضح.

وأما من فرق في المعنى بين العادة والعرف، فقد لاحظ استعمال بعض الفقهاء لكل من اللفظين في معنى يستقل به، ولا يبعد أن تكون هذه التفرقة راجعة إلى اختلاف المعنى تبعًا لاختلاف الزمان أو المكان. ويساعد على هذا التوجيه ما قد يستشف من أقوال المحققين.

ففي " التعريفات " يقول الشريف الجرجاني: " العرف: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول، وهو حجة أيضًا، لكنه أسرع إلى الفهم وكذا العادة: وهي ما استمر الناس عليه على حكم العقول، وعاودوا إليه مرة بعد أخرى " (١) والذي يلفت الانتباه في هذا التعريف أن " الجرجاني " لم يعول على العادة المجردة التي وردت في كلام بعض الأصوليين (٢) ، وإنما اعتمد العادة المستمرة التي بنيت على حكم العقول، ثم فرق بينها وبين العرف من حيث إن العرف عادة مستقرة بشهادة العقول التقت عليها الطباع السليمة من غير نكير.

وفي رسالة " نشر العرف " يقدم ابن عابدين فصل الخطاب في المسألة بهذه العبارة الدقيقة: " العادة مأخوذة من المعاودة، فهي بتكررها ومعاودتها مرة بعد أخرى صارت معروفة مستقرة في النفوس والعقول، متلقاة بالقبول من غير علاقة ولا قرينة، حتى صارت حقيقة عرفية فالعادة والعرف بمعنى واحد من حيث الماصدق، وإن اختلفا في المفهوم (٣) و"الماصدق " عند المناطقة: الأفراد التي يتحقق فيها المعنى الكلي، فكأن العرف عادة توافر لها الاستقرار في النفوس والعقول، وتلقتها الجماعة بالقبول، فلا بأس من أن يطلق الفقهاء على هذه العادة اسم العرف أو أن يبقوا على اللفظ الأصلي " العادة " ما دام مرادهم منها قد بان.


(١) الجرجاني، التعريفات: ص ١٤٩.
(٢) ابن أمير حاج، التقرير والتحبير: ١ /٢٨٢: " العادة: الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية ".
(٣) ابن عابدين، مجموعة رسائل، دار سعادت ١٤٢٥هـ: ٢ /١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>