للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما استقر المذهب المالكي في " القيروان "، كان جل اعتماد العلماء على ما نقل إليهم من فتاوى الفقهاء وأحكام القضاة وفي " فاس " نظر الفقهاء بعين الاحترام إلى ما كان يصدره قضاة الأندلس من أحكام، ولما استقل المغرب بعد ذلك صار له قضاؤه المستقل الذي يعتبر مصدر " العمل الفاسي " لقد واجه هذا القضاء حالات كثيرة، للفقهاء في حكمها أقوال متضاربة، فكان القاضي يختار من بينها ما يتواءم مع العرف، حتى لو خالف القول المشهور في المذهب، وذلك رعاية للمصلحة بجلب منفعة أو دفع مضرة، والتزم القضاة اللاحقون هذا المنهج العملي، طالما بقيت المصلحة قائمة، فإذا انقضت المصلحة لم يعد هناك مبرر للعمل بالقول المرجوح، وبنى القاضي حكمه على القول المشهور في المذهب، وقد أيد هذا المسلك القضائي عدد من الفقهاء: كابن عتاب، وابن رشد، وابن سهل، وابن زرب، واللخمي (١) .

والخلاصة أن " العمل " يتطلب وجود رأي فقهي يستند إليه، ولو كان مرجوحًا، وهذا ما يفرق بينه وبين العرف، فهو ما استقر في النفوس من جهة العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول.

١٠- العرف والإجماع:

يرى بعض الباحثين أن العرف إجماع، لأنه اتفاق طائفة من الأمة أو جميعها على أمر (٢) وحاول بعض آخر رد العرف إلى الإجماع العملي، بناء على القول بتجزئ الاجتهاد وعدم خلو العصر عن المجتهدين، أو رده إلى دلالة الإجماع متى تحققت علته فيما جرى به تعامل الناس (٣) .

ويبدو أن هذه الآراء تجد سندًا فيما نص عليه بعض الفقهاء عند تحرير علة تحريم الربا: " ... وما لم ينص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو محمول على عادات الناس في الأسواق، لأن العادة دالة على الجواز فيما وقعت عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن)) ومن ذلك دخول الحمام وشرب ماء السقاء، لأن العرف بمنزلة الإجماع عند عدم النص " (٤) ، وفيما ذكره بعضهم عند تعريف العرف العام وأنه: " ما تعارفه المسلمون من عهد الصحابة إلى زماننا، وأقره المجتهدون وعملوا به بناء على التعارف العام، وإن خالف القياس ولم يرد به النص ولا قام عليه دليل، فهذا أخذ به الفقهاء وأثبتوا به الأحكام الشرعية، وقد قالوا: إن العرف بمنزلة الإجماع عند عدم النص " (٥) .


(١) ة illiot; Op.cit.، p. ١٧١ –١٧٢ et les references citees
(٢) أورده: عبد العزيز الخياط في: نظرية العرف: ص ٣١.
(٣) أحمد فهمي أبو سنة، أورده: عبد العزيز الخياط في: نظرية العرف: ص ٣١: ص ٣٢-٣٦.
(٤) ابن الهمام، فتح القدير، بولاق مصر ١٣١٥هـ: ٦ /٢٨٢.
(٥) ابن عابدين، مجموعة رسائل: ١ /١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>