للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك فالفرق لا يزال قائما بين العرف والإجماع من عدة وجوه، منها (١) :

(أ) أن الإجماع لا يكون إلا من المجتهدين في عصر من العصور، أما العرف فإنه يصدر عن عامة الناس وخاصتهم، ولا يشترط اجتماعهم عليه.

(ب) وأن الإجماع يتحقق بمجرد اتفاق المجتهدين على أمر دون حاجة إلى تكراره، أما العرف فلا ينشأ إلا إذا تكرر فعله حتى يستقر في النفوس وتطمئن إليه القلوب.

(ج) وأن الإجماع لا بد له من مستند، نص أو قياس، وقد يكون كل منهما خفيًّا (٢) ، أما محل العرف فلا نص فيه ولا قياس.

المبحث الثاني

أركان العرف

١١- عرضنا فيما تقدم مختلف التعريفات التي وضعها الأصوليون والفقهاء لتحديد معنى العرف المعتبر في الأحكام الشرعية (٣) ، ووجدنا أن الجامع لهذه التعريفات أنه: أمر استقرت عليه النفوس، مستندة في ذلك إلى استحسان العقل، وتلقته الطباع السليمة في الجماعة بالقبول لتكراره المرة بعد المرة وانطلاقًا من هذا المعنى يمكن أن نستخلص ركنين لا يقوم العرف بدونهما: أحدهما خارجي (مادي) ، والآخر داخلي (نفسي) .

أولا – الركن المادي:

١٢- يتمثل الركن المادي للعرف في مسلك عام تكرر على نمط واحد فترة من الزمن تكفي ليتحقق له معنى الثبات والاطراد (٤) ومن هنا وجب في السلوك المكون للركن المادي للعرف ثلاث صفات: العموم، والقدم، والثبات.

١٣- (أ) العموم:

تنصرف صفة العموم إلى المسلك الذي تكرر مرة بعد أخرى، بحيث يسود تطبيقه الوسط الذي نشأ فيه، مع مراعاة جميع الأفراد الذين يعنيهم هذا المسلك، وإلى هذا يشير الشاطبي بقوله: " إن العلم المحكوم به على العادات إنما هو في كليات الوجود، لا في جزئياته " (٥) ويعبر بعض العلماء عن صفة العموم بـ " الاشتهار "، كما جاء في قول القرافي: " ... الاشتهار أن يكون أهل العرف لا يفهمون عند الإطلاق إلا ذلك المعنى، لا من لفظ الفقهاء، بل من استعمالهم لذلك اللفظ في ذلك المعنى، فهذا هو الاشتهار المعتبر لنقل اللفظ من اللغة إلى العرف " (٦) .


(١) محمد مصطفى شلبي، ابن عابدين، مجموعة رسائل: ١ /١٨٦: ص ٣١٦-٣١٧.
(٢) ابن السبكي، جمع الجوامع، وشرحه لجلال الدين المحلى، وحاشية البناني، وتقرير الشربيني، القاهرة ١٣٥٦هـ: ٢ /١٩٥.
(٣) فيما سبق، فقرة ٦.
(٤) اطرد الشيء اطرادًا: تبع بعضه بعضًا وجرى تقول: اطرد الأمر، أي استقام، والأنهار تطرد، أي تجري (مختار الصحاح، للرازي) .
(٥) الشاطبي، الموافقات: ٢ /٢٨٢.
(٦) القرافي، الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام، الطبعة الأولى: ص ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>