للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقابل صفة العموم ما يطلق عليه الفقهاء وصف " الاشتراط "، فالمسلك المشترك: هو الذي لا يسود الوسط الذي نشأ به، وإنما تساوى العمل به وتركه، فهذا المسلك المشترك " لا يبنى عليه الحكم للتردد في أن المتكلم قصد هذا المعنى أو المعنى الآخر، فلا يتقيد أحد المعنيين لتعارضهما بتحقيق الاشتراك " (١) ونفس الحكم ينطبق على المسلك الذي انفرد به بعض أفراد الجماعة التي يعينها هذا العرف، فقد ذكر ابن عابدين، في معرض تعليقه على الخلاف بين الفقهاء في اعتبار بعض العادات، ".... أن هذا العرف لم يشتهر في بلدة، بل تعارفه بعض أهل بخارى دون عامتهم، ولا يثبت التعارف بذلك " (٢) .

١٤- ولا تعني صفة العموم ضرورة تكرار المسلك أو اعتياد القيام به من كل أفراد الجماعة، فهذا أمر لا يتحقق إلا في الجماعات قليلة العدد، أما الجماعات التي اتسعت وتنوعت عناصرها فيندر أن يتكون فيها عرف عام، ولهذا يكفي أن يقتصر الاعتياد على أبناء بلدة معينة أو أفراد طائفة محدودة، ما دام الاعتياد قد وقع من عدد غير محدود من أشخاص غير معينين بذواتهم، وهذا ما يعرف بالعرف المحلي، أو العرف المهني، أو العرف الإداري، أو العرف الدولي.

١٥- وبناء على ذلك قسم العلماء العرف إلى عام وخاص.

- فالعرف العام: هو " ما غلب على الناس من قول أو فعل أو ترك " (٣) ومثلوا لذلك بعقد الاستصناع "، فإنه عقد على شيء مستقبل، وإنه لا يجوز بناء على القياس، غير أن التعامل العام به من غير جعله مقدمًا على القياس (٤) .

- والعرف الخاص: هو ما غلب على أهل إقليم معين أو طائفة محددة أو على علاقات من نوع خاص (٥) ، متعارف التجار على ما يعد عيبًا وما لا يعد كذلك (٦) .

وقد أشار القرافي إلى هذا التقسيم بقوله: " ... وقد تكون هذه الغلبة في سائر الأقاليم، كالحاجة للغذاء والتنفس في الهواء، وقد تكون خاصة ببعض الفرق، كالأذان للإسلام والناقوس للنصارى، فهذه يقضى بها عندنا " (٧) .


(١) ابن عابدين، المرجع المتقدم: ٢ /١٣٢.
(٢) ابن عابدين، نفس المرجع: ٢ /١١٦.
(٣) محمد الطاهر بن عاشور، حاشية على شرح تنقيح الفصول: ١ /٢٤٨، مشار إليه في: أثر العرف، للسيد صالح عوض: ص ١٣٩.
(٤) ابن عابدين، محمد الطاهر بن عاشور، حاشية على شرح تنقيح الفصول: ١ /٢٤٨، مشار إليه في: أثر العرف، للسيد صالح عوض: ص ١٣٩: ٢ /١١٤.
(٥) محمد مصطفى شلبي، نفس المرجع المتقدم: ص ٣١٥.
(٦) عبد العزيز الخياط، نظرية العرف: ص٣٣.
(٧) القرافي، شرح التنقيح، طبعة الخيرية: ص ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>