للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٦- (ب) القدم:

لكي يتكون الاعتياد، يلزم أن تكون العادة قد نشأت منذ زمن بعيد، يدل على أنها تأصلت في نفوس الأفراد، وليست مجرد تجربة قد تبقى أو تزول وقدم العرف مسألة تقديرية تختلف باختلاف الأحوال، سواء في ذلك العرف العام أو الخاص، " وهذا هو ما عليه جمهور الفقهاء " (١) ، وخالف بعضهم، فاعتبر أن العرف لا يكون حجة شرعية إلا إذا جرى العمل به من عهد الصحابة حتى زماننا دون أن ينكره المجتهدون (٢) ، وقد تعقب العلماء هذا الرأي بالنقد أو بالتأويل (٣) .

١٧- (ج) الثبات أو الاطراد:

يجب أن يكون التكرار في المسلك موحدًا، بمعنى أن يجري على نمط واحد لا يتخلله، مع بقاء الظروف عينها، اتباع مسلك مختلف (٤) ولعل هذا هو المراد من قول الفقهاء: قاعدة الأيمان، البناء فيها على العرف إذا لم يضطرب، فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة (٥) على أن هذا الشرط لا يعني أن يكون اتحاد المسلك مطلقًا، فشذوذ بعض أفراد الجماعة لا ينفي وحدة النمط، ولهذا شاع في أقوال الفقهاء: العبرة للغالب الشائع، لا للقليل النادر (٦) .

ثانيا – الركن النفسي:

١٨- لا يرقى الركن المادي إلى مرتبة العرف إلا إذا صاحبه شعور داخلي يؤدي بأفراد الجماعة إلى الاعتقاد بان هذا المسلك أصبح واجب الاتباع، سواء أكان مرد هذا الاعتقاد إلى أنهم يعتبرون هذا المسلك يطابق العدل ويلائم حاجات الجماعة (٧) ، أم كان مرده إلى اعتقادهم بأنه يمثل قاعدة ملزمة ينبغي إطاعتها (٨) وهذا واضح من تعريف العرف الذي تبنى عليه الأحكام بأنه: " ما استقر في النفوس من جهة العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول، وهو حجة " (٩) فاستقرار العرف في النفوس يدل على أنه أصبح مسلكًا واجب الاتباع، قد قبلت الطباع السليمة لأفراد المجتمع الالتزام به شرعًا.

لم ينص العلماء صراحة على هذا الركن النفسي، ولكنا استنبطناه من تعريفهم للعرف والعادة الملزمة. وقد اشترط بعض الباحثين أن يكون العرف ملزمًا، بمعنى أنه يتحتم العمل بمقتضاه في نظر الناس، لأن قواعد الفقه المحكمة لا تأبى اشتراطه، وفيه من النصوص ما يشير إليه " لكن ليس ذلك في كل عرف، بل يمكن ضبطه على وجه التقريب في العرف الذي يتضمن الحق على وجه الإلزام أما غيره فلا يشترط فيه، كالعرف الذي يتضمن الإذن، والعرف الذي يفيد وجوب السؤال عن حال الشيء عند شرائه، لغلبة التعامل بالمحرم " (١٠) .

* * *


(١) السيد صالح عوض، نفس المرجع: ص ١٣٨ وانظر: رسائل ابن عابدين: ٢ /٥١.
(٢) علي حيدر، درر الحكام، تعليقًا على المادة ٣٦ من المجلة.
(٣) ابن عابدين، مجموعة رسائل: ٢ /١٢٢-١٢٣.
(٤) عبد الحي حجازى، المدخل لدراسة العلوم القانونية – ١- القانون، الكويت ١٩٧٢ م: ص ٢٨.
(٥) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، طبعة الاستقامة، مصر: ٢ /١٢٦ وانظرا: ابن نجيم، الأشباه والنظائر، القاهرة ١٩٦٨ م: ص ٤٨ السيوطي، الأشباه والنظائر، القاهرة ١٩٥٩ م: ص ٩٢- ٩٣.
(٦) ابن نجيم والسيوطي، الموضعين السابقين. الشاطبي، الموافقات ٢ /٢٨٢، " إذا كانت العوائد معتبرة شرعا، فلا يقدح في اعتبارها انحرافها ما بقيت عادة على الجملة " وانظر: أحمد الزرقاء، العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، طبعة الاستقامة، مصر: ٢ /١٢٦ وانظرا: ابن نجيم، الأشباه والنظائر، القاهرة ١٩٦٨ م: ص ٤٨ السيوطي، الأشباه والنظائر، القاهرة ١٩٥٩ م: ص ٩٢- ٩٣: ص ١٨١-١٨٢.
(٧) عبد الحي حجازي، ابن نجيم والسيوطي، الموضعين السابقين. الشاطبي، الموافقات ٢/٢٨٢، " إذا كانت العوائد معتبرة شرعا، فلا يقدح في اعتبارها انحرافها ما بقيت عادة على الجملة " وانظر: أحمد الزرقاء، العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، طبعة الاستقامة، مصر: ٢/١٢٦ وانظرا: ابن نجيم، الأشباه والنظائر، القاهرة ١٩٦٨ م: ص ٤٨ السيوطي، الأشباه والنظائر، القاهرة ١٩٥٩ م: ص ٩٢- ٩٣: ص ١٨١-١٨٢: ص ٤٤٩، والمراجع المشار إليها في هـ ٣.
(٨) عبد الحي حجازي، نفس المرجع، مع هامش ٤.
(٩) انظر فيما سبق: فقرة ٨.
(١٠) أحمد فهمي أبو سنة، المرجع السابق: ص ٦٦-٦٧ وقارن: السيد صالح عوض، أثر العرف: ص ٢٢٨-٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>