للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد اتفقت كلمة جمهور العلماء، من مختلف المذاهب، على أن أدلة الأحكام أربعة: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس على هذا الترتيب وهناك أدلة أخرى، اختلف في الاستدلال بها على الحكم الشرعي، أشهرها: الاستحسان، والاستصحاب، والاستصلاح، والعرف، ومذهب الصحابي، وشرع من قبلنا (١) .

ومهما يكن من أمر، فللعلماء في تحديد طبيعة العرف مسلكان: يعتبر أولهما العرف دليلًا مستقلا يمكن أن تستفاد منه أحكام شرعية، أما الآخر فلا يعترف بهذا الاستقلال، وإنما يرد الأحكام التي بنيت على العرف إلى دليل آخر ثبت لديه.

٢٣- المسلك الأول: العرف دليل مستقل.

يرى أصحاب هذا المسلك أن العرف، إذا استوفى شروطه، دليل قائم بذاته إلى جانب الأدلة الشرعية فقد قال القرافي: إن أدلة الأحكام تسعة عشر، وعد منها العوائد (٢) . وجاء في أحكام القرآن لابن العربي: أن العادة دليل أصولي بنى الله تعالى عليه الأحكام، وربط به الحلال والحرام (٣) وفي المبسوط: " وهذا الأصل معروف: أما تعارفه الناس، وليس في عينه نص يبطله، فهو جائز " (٤) ، وفي موضع آخر منه: " وتعامل الناس من غير نكير، أصل من الأصول كبير " (٥) وأورد ابن عابدين ما جاء في البحر، نقلا عن الكافي: " والأحكام تبتنى على العرف، فيعتبر في كل إقليم وفي كل عصر عرف أهله " (٦) ولقد صرح بعض أصحاب هذا المسلك بأن العرف بمنزلة الإجماع عند عدم النص (٧) ، ونتيجة لذلك نصوا على أن: التعامل حجة، يترك به القياس، ويخص به الأثر (٨) .

٢٤- المسلك الثاني: رد العرف إلى دليل شرعي:

سلك هذا المسلك أغلب الأصوليين والفقهاء، فلم يجعلوا العرف – مع اعتباره في التشريع – دليلًا مستقلًّا، وإنما ردوه إلى دليل شرعي آخر، كالإجماع، أو الاستحسان أو الاستصلاح.


(١) عبد الوهاب خلاف، أصول الفقه: ص ٢١- ٢٢.
(٢) القرافي، تنقيح الفصول: ص ١٨٩.
(٣) ابن العربي، أحكام القرآن، طبعة الحلبي: ٢ /٢٧٠.
(٤) السرخسي، المبسوط، طبعة السعادة ١٣٢٤ هـ: ١٢ /٤٥.
(٥) السرخسي، نفس المرجع: ١٢ /١٣٨.
(٦) ابن عابدين مجموعة رسائل: ٢ /١٣٠.
(٧) الكمال بن الهمام، فتح القدير: ٦ /٢٨٢.
(٨) ابن عابدين، نفس المرجع: ١ /٤٧ و٢ /١١٤ وممن اعتبر العرف مصدرًا يستقل بالتشريع: محمد سلام مدكور، مناهج الاجتهاد: ص ٢٤٩ هـ ١ وعبد العزيز الخياط، نظرية العرف: ص ٤٣ وعمر عبد الله، العرف في الفقه الإسلامي: ص ١٤-١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>