للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٥- رد العرف إلى الإجماع (١) :

ذكر المحقق " ابن الهمام ": أن جواز الاستصناع جاء استحسانا بالتعامل الراجع إلى الإجماع العلمي من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا بلا نكير، والتعامل بهذه الصفة مندرج في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) (٢) فقد رد العرف إلى الإجماع، وبناه على الحديث الذي اعتبره الأصوليون دليلًا على حجيته (٣) ومثله ما أورده ابن السبكي من أن العادة إذا ثبتت في عهده صلى الله عليه وسلم أو بعده بلا نكير، فقد ثبتت بالسنة أو بالإجماع، وإلا فهي مردودة قطعًا (٤) ومعروف أن الإمام مالكًا اتخذ عمل أهل المدينة أصلا تبنى عليه الأحكام، لأنه كان يعتبره إجماعًا يقدمه على خبر الواحد وعلى القياس (٥) وقد روي أنه، لما اجتمع بأبي يوسف ومحمد بن الحسن في المدينة، وقد سئل عن مقدار الصاع والمد، طلب إلى الحاضرين مجلسه أن يعرضوا ما عندهم من هذه المكاييل التي توارثوا العمل بها من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أترى هؤلاء يجمعون على باطل؟ (٦) .

٢٦- رد العرف إلى الاستحسان (٧) :

من التعريفات التي وضعها الأحناف للاستحسان أنه: ترك القياس إلى ما هو أولى منه، وهو على وجهين: أحدهما: أن يكون فرع يتجاذبه أصلان، يأخذ الشبه من كل واحد منهما، فيجب إلحاقه بأحدهما دون الآخر، لدلالة توجبه والوجه الآخر: تخصيص الحكم مع وجود العلة، وذلك قد يكون بالنص أو الأثر أو الإجماع أو بقياس آخر أو بعمل الناس (٨) مثال ذلك: جواز وقف المنقول كالكتب وغيرها، فالقياس أن يقتصر في الموقف على ما يكون مؤبدًا والاستحسان جواز وقف المنقول، مع أنه عرضه للهلاك، للعرف.

ومن تعريفات المالكية للاستحسان أنه: تخصيص الدليل العام بالعرف لمصلحة الناس مثال ذلك: استحسان دخول الحمام من غير تقرير زمان المكث وقدر الماء، مع أن الدليل يمنعه، لأنه يحتمل الغرر المنهي عنه في الحديث (٩) .

٢٧- رد العرف إلى المصلحة (١٠) :

أكثر العلماء يردون العرف إلى المصالح المرسلة، أي تلك التي لم يقم دليل اعتبارها أو إلغائها، وإنما بني الحكم فيها على ما في الشريعة من قواعد عامة، توجب تحقيق المصالح ودرء المفاسد (١١) فقد جاء في التنقيح: أن دفع المشقة عن النفوس مصلحة ولو أدت إلى خلاف القواعد (١٢) ويقول الشاطبي: لما قطعنا بأن الشارع جاء باعتبار المصالح، لزم القطع بأنه لا بد من اعتبار العوائد، لأنه إذا كان التشريع على وزان واحد، دل على جريان المصالح على ذلك، لأن أصل التشريع سبب المصالح، والتشريع دائم، فالمصالح كذلك، وهو معنى اعتباره للعادات في التشريع (١٣) ويشيع في أقوال الأحناف: أن في نزع الناس عن عاداتهم حرجًا (١٤) ، وإن في الخروج عن العادة حرجا بينا (١٥) وكثير من الباحثين المعاصرين يردون الأحكام التي بنيت على العرف إلى دليل الاستصلاح (١٦) .


(١) الغزالي، المستصفى، القاهرة ١٢٩٤ هـ، ١ /١٧٣ وما بعدها.
(٢) ابن عابدين، مجموعة الرسائل، ١ /١٨٦.
(٣) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، القاهرة ١٣٤٧هـ، ١ /٣٧٦.
(٤) ابن السبكي، جمع الجوامع: ٢ /٣٦٠.
(٥) على حسن عبد القادر، المرجع السابق: ص ٢٥٥.
(٦) انظر: السيد صالح عوض، أثر العرف: ص ١٨٨ والمراجع التي أشار إليها.
(٧) الغزالي، المستصفى: ١ /٢٧٤.
(٨) محمد مصطفى شلبي، أصول الفقه الإسلامي: ص ٢٦٣ والمراجع التي اعتمد عليه، وانظر: ابن الحاجب، منتهى السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل، القاهرة ١٢٩٣هـ: ٢ /٢٨٢: " العدول إلى خلاف النظير بدليل أقوى منه، كدخول الحمام من غير تقييد بزمان مكث ولا مقدار ماء، لدليل العرف ".
(٩) الشاطبي، الاعتصام: ٢ /٣٢٤، العطار، حاشية على جمع الجوامع: ٢ /٢٩٥.
(١٠) الغزالي، المستصفي: ١ /٢٨٦- ٢٨٧، ٢ /٣٠٦.
(١١) محمد معروف الدواليبي، المدخل إلى علم أصول الفقه، دمشق ١٩٥٥ م: ص ٢٧٤ وما بعدها.
(١٢) القرافي، تنقيح الفصول: ص ١٦٩ وما بعدها
(١٣) الشاطبي، الموافقات: ٢ /٢٨٦ وما بعدها.
(١٤) ابن عابدين، مجموعة الرسائل: ٢ /١٣٨.
(١٥) ابن عابدين، نفس المرجع: ٢ /١٣٩.
(١٦) انظر على سبيل المثال: أحمد فهمي أبو سنة، المرجع السابق: ص ٣٦-٣٨ السيد صالح عوض، المرجع المتقدم، ص ٢٣٩ عبد الوهاب خلاف، نفس المرجع: ص ٩١ عجيل النشمي، نفس المرجع: ص ١٩٧ محمد أبو زهرة، مالك: ص ٤٥٤ محمد مصطفى شلبي، أصول الفقه، ص ٣٢٣ منصور الشيخ، أصول الأحكام، ص ٢٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>