للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

أساس القوة الملزمة للعرف

٢٨- جرت عادة الأصوليين والفقهاء، عندما يلاحظون أمرًا يمكن اعتباره حكمًا أو يستفاد منه الحكم، أن يتلمسوا له الأدلة النقلية والعقلية التي تطمئن قلوبهم إلى الاعتماد عليه في التشريع، وبناء على ذلك أوردوا لإثبات حجية العرف، أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، غير أن تحليل هذه الأدلة قد يجعلها لا تصلح لإثبات الدعوى من أجل ذلك ينبغي عرض المسألة بطريقة مختلفة، فنقول: مال الدليل على حجية العرف؟ أو بعبارة أخرى: ما أساس القوة الملزمة للعرف؟ أهو العقل الذي شهد بصلاحية الأحكام التي بنيت عليه، حتى استقرت عليها الجماعة، أم أن الشرع وحده هو أساس إلزامية العرف؟

قبل الإجابة عن هذا التساؤل، ينبغي أن نلفت النظر إلى أنه لا خلاف بين علماء المسلمين في أن مصدر الأحكام الشرعية هو الله تعالى، وإنما يدور الخلاف بينهم فيما يعرف به حكم الله، هل يمكن للعقل أن يستقل بهذه المعرفة؟ أو أن طريقها إلينا الوحي وحده؟ للعلماء في ذلك اتجاهات ثلاثة: اتجاه الأشاعرة، اتجاه المعتزلة، واتجاه الماتريدية.

٢٩- أولًا – اتجاه الأشاعرة:

يرى أبو الحسن الأشعري وأتباعه: أن العقل لا يمكن أن يستقل بمعرفة الأحكام الشرعية، لاختلاف العقول في الحكم على الفعل بالتحسين والتقبيح، وإذن يكون معيار حسن الأفعال وقبحها هو الشرع المنقول إلينا بواسطة رسل الله (١) .

وانطلاقا من هذا المبدأ استند بعض الأصوليين والفقهاء، لبيان أساس القوة الملزمة للعرف، إلى قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (٢) ويقول القرافي: " ... كل ما شهدت به العادة قضي به، لظاهر هذه الآية، إلا أن يكون هناك بينة " (٣) ونقل السيوطي في الإكليل عن ابن الفرس أن معنى قوله تعالى {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} ": اقضِ بكل ما عرفته النفوس، ولا يرده الشرع، وهذا أصل القاعدة الشرعية في اعتبار العرف (٤) ، واستدل بعضهم على إلزامية العرف بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (٥) .


(١) عبد العزيز البخاري، كشف الأسرار شرح المنار، للتنسفي، القاهرة ١٣١٦هـ: ١ /٦٦ وما بعدها الكمال بن أبي شريف، المسامرة في شرح المسايرة، للكمال بن الهمام، القاهرة ١٣٤٧هـ: ٢ /٤٢ وما بعدها.
(٢) [سورة الأعراف: الآية ١٩٩] .
(٣) القرافي، الفروق، القاهرة ١٣٤٤ هـ: ٣ /١٩٤.
(٤) السيد صالح عوض، أثر العرف في التشريع الإسلامي: ص ١٧١.
(٥) [سورة النساء: الآية ١١٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>