للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الاستدلال: أن الله تعالى أوعد بالعقاب والعذاب من يتبع غير طريق المؤمنين، وهذا دليل على أن اتباع سبيل المؤمنين واجب، فالعادة التي استحسنوها معتبرة شرعًا، ويجب العمل بها (١) وقد شاع في كتب الأصول والفقه، عند ذكر أدلة اعتبار العرف، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)) (٢) ، غير أن المحققين اعترضوا على نسبة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنه من قول عبد الله بن مسعود، موقوفًا عليه، رواه أحمد والبزار والطبراني والطيالسي وغيرهم (٣) ونحن نعتقد أن هذا القول من عبد الله بن مسعود مما لا يدرك بالرأي والعقل، ولم يعرف له مخالف من الصحابة، وقد شاع لدى العلماء من مختلف المذاهب، وهو يؤدي معنى الآية السابقة: " ومن يشاقق الرسول ... " إلخ، ووردت أحاديث أخرى تعضده مثل: ((لا تجتمع أمتي على الضلالة)) و ((اتبعوا السواد الأعظم)) وغير ذلك (٤) ، فالظاهر من حال ابن مسعود أنه قال ذلك سماعًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٣٠- ثانيا – اتجاه المعتزلة:

يرى واصل بن عطاء وأتباعه أن العقل يمكن أن يستقل بمعرفة الأحكام الشرعية، لأن أفعال المكلفين إن كانت تحمل نفعًا حكم العقل بحسنها، وإن كانت تؤدي إلى ضرر حكم العقل بقبحها، والله سبحانه يكلف الناس بفعل ما فيه نفعهم، وبترك ما فيه ضررهم فالعقل السليم إذا رأى حسن فعل، علم أنه مأمور به، فيكون الطلب الشرعي ثابتًا له ثبوتًا ملازمًا لصفة الحسن وإذا رأى قبح فعل، علم أنه منهي عنه، ويستحق فاعله العقاب ولو لم يرد الشارع به (٥) .

وانطلاقًا من هذا المبدأ، جاء في المعتمد: " وأما التوصل إلى الأحكام الشرعية، فهو أن المجتهد، إذا أراد معرفة حكم الحادثة، فيجب أن ينظر ما حكمها في العقل، ثم ينظر: هل يجوز أن يتغير حكم الله فيها؟ وهل في أدلة الشرع ما يقتضي تقدم ذلك الحكم أم لا؟ فإن لم يجد ما ينقله عن العقل، قضى به والشرط في ذلك: هو علمه بأنه لو كانت المصلحة قد تغيرت مما يقتضيه العقل، لما جاز ألا يدلنا الله تعالى على ذلك فإن وجد في الشرع ما يدل على نقله، قضى بانتقاله، لأن العقول إنما دلت على تلك الأحكام بشرط ألا ينقلنا عنها دليل شرعي (٦) ومقتضى هذا النص أن العقل كاف في اعتبار الأعراف والعادات الحسنة، وأنها تنتج أحكامًا شرعية ملزمة ومثل ذلك ما قاله " المظفر " من أنه: إذا حكم العقل بحسن شيء أو قبحه، بأن تطابقت آراء العقلاء جميعًا على حسن شيء، لما فيه من حفظ النظام وبقاء النوع، أو على قبحه، لما فيه من الإخلال بذلك، فلا بد أن يحكم الشارع بحكمهم (٧) .


(١) السيد صالح عوض، نفس المرجع: ص ١٧٥ والمراجع التي أشار إليها.
(٢) انظر على سبيل المثال: ابن نجيم، الأشباه والنظائر: ص ٤٦ السرخسي، المبسوط: ١٢ /٤٥ السيوطي، الأشباه والنظائر: ص ٨٨ الكاساني، بدائع الصنائع: ٥ /٢٢٣ الكمال بن الهمام، فتح القدير: ٦ /٢٨١.
(٣) ابن نجيم، نفس الموضع السابق الزيلعي، نصب الراية لأحاديث الهداية، القاهرة ١٣٥٧هـ: ٤ /١٣٣ السخاوي، المقاصد الحسنة، القاهرة ١٣٧٥هـ: ص ٣٦٧ السيوطي، الأشباه والنظائر: ص ٨٨.
(٤) انظر في هذه الأحاديث ورواتها ودرجتها: السخاوي، المقاصد الحسنة: ص ٤٦٠.
(٥) البخاري، كشف الأسرار: ١ /٦٦ وما بعدها.
(٦) أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، دمشق ١٩٦٥ م: ٢ /٩٠٨.
(٧) محمد رضا المظفر، أصول الفقه، النجف د. ت: ٢ /٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>