للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٥- ثانيا – بعض تطبيقات القاعدة:

(أ) يقول الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (١) ، ثم يقول: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٢) .

وهذا يدل على أن الطلاق يقع مرة فمرة، وللزوج بعد كل من المرتين أن يراجع زوجته فإن طلقها الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره فإذا قال الرجل لزوجته: " أنت طالق ثلاثًا " كان مرتكبًا لإثم بلغ مداه أن أغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال: ((أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟)) ولكن هذه الصيغة لم يكن يقع بها، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، إلا طلقة واحدة رجعية فلما تتابع الناس (٣) بعد ذلك في الطلاق، قال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؟! فأمضاه عليهم، وألزمهم الثلاث، وقد تابع عمر في هذا كثير من الصحابة، وجمهور التابعين، وأئمة المذاهب الأربعة (٤) غير أن بعض الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب الأخرى وعدد من الفقهاء ظلوا على ما كان عليه الأمر من قبل، فلم يوقعوا بلفظ الثلاث إلا طلقة رجعية، وهذا هو السائد اليوم في قوانين الأحول الشخصية (٥) وأيا ما كان الأمر، فلا خلاف في أن هنا تغير " تبعا لتبدل العادات، سواء ذهبنا إلى أن الحكم بإيقاع الثلاث مطابقة لعادة الناس في قصودهم وطوايهم أو من باب السياسة الشرعية عقوبة لهم على تعاطي المحرم (٦) .

(ب) روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البر بالبر كيلًا بكيل مثلًا بمثل)) وكذلك الشعير والتمر والملح، أما الذهب والفضة فقال فيمها: ((وزنًا بوزن)) وتأسيسا على هذا الحديث قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن، إن كل شيء نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم التفاضل فيه كيلًا فهو مكيل أبدًا، وإن ترك الناس الكيل فيه، مثل الحنطة والشعير والتمر والملح، وكل ما نص على تحريم التفاضل فيه وزنا فهو موزن أبدًا، وإن ترك الناس الوزن فيه، مثل الذهب والفضة أما أبو يوسف، فقد رأى أن النص على بيع الحنطة كيلًا وبيع الذهب وزنًا، ما جاء إلا بناء على العرف، وبيعت الحنطة وزنًا إن وجب العمل بالعرف الجديد (٧) " وعلى هذا فلو تعارف الناس بيع الدراهم بالدراهم أو استقراضها بالعدد – كما في زماننا – لا يكون مخالفًاٍ للنص فالله تعالى يجزي الإمام أبا يوسف عن أهل هذا الزمان خير الجزاء، فلقد سد عنهم بابًا عظيما من الربا " (٨) .


(١) [سورة البقرة: الآية ٢٢٩] .
(٢) [سورة البقرة: الآية ٢٣٠] .
(٣) تتابع في الشر: تهافت وأسرع إليه.
(٤) يراجع الموضوع بتمامه في: ابن القيم، إعلام الموقعين: ٣ /٤٢ وما بعدها.
(٥) أحمد الغندور، الأحوال الشخصية في التشريع الإسلامي، الكويت ١٩٨٢م: ص ٤٤٤- ٤٤٧.
(٦) أحمد فهمي أبو سنة، العرف والعادة: ص ٨٥-٨٦.
(٧) ابن الهمام، فتح القدير: ٦ /١٥٧-١٥٨.
(٨) ابن عابدين، مجموعة الرسائل: ٢ /١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>