٤٧- ظل العرف الصحيح الذي استوفى أركانه يؤدي وظائفه في تكميل التشريع ومعاونته على مدى القرون في جميع بلاد الإسلام، فنهض به المجتهدون في فترة الازدهار الفقهي، وتابعهم في ذلك من أتي بعدهم من الفقهاء والعلماء، وحكم بمقتضاه القضاة، كما أفتى بتغيره المفتون عندما كانوا يلاحظون تغير الظروف وأفسحت له كتب الفقه من متخلف المذاهب وفي جميع العصور مكانًا رحبا في كل باب من أبوابها، حتى أخذ مكانه الرسمي بين نصوص التشريع في مجلة الأحكام العدلية، التي كانت تطبق في كثير من بلدان العالم الإسلامي.
فلما كان القرن الماضي شهد العرف انحرافًا عن مساره الشرعي، يمكن رده إلى عاملين: يتمثل الأول منهما في إحياء العادات والأعراف المحلية بغض النظر عن موافقتها أو مخالفتها للأحكام الشرعية ويرجع الآخر إلى انتشار حركات التقنين في تشريعات الدول الإسلامية، وتأثرها بالفكر القانوني الغربي وإذن ينقسم هذا الفصل إلى مبحثين.
المبحث الأول: إحياء الأعراف المحلية.
والمبحث الثاني: انتشار حركة التقنين.
* * *
المبحث الأول
إحياء الأعراف المحلية
٤٨- ساعد على إحياء الأعراف والعادات المحلية في البلاد الإسلامية أمران: خلو بعض الأقاليم النائية من التنظيمات القضائية، والاستعمار الغربي لمعظم بلاد الإسلام.
٤٩- أولا: خلو بعض الأقاليم النائية من التنظيم القضائي:
كان ضعف السلطة المركزية في بعض الأقاليم الإسلامية، وبعد هذه الأقاليم عن مراكز الثقافة والعلوم الشرعية، من العوامل التي مهدت لقيام قضاء قبلي، يتوارثه الأبناء عن آبائهم، فيفصلون فيما يعرض عليهم من نزاع وفق الأعراف السائدة في القبيلة والظروف المحيطة بالبيئة ومع مرور الزمن استقرت هذه الأحكام، وقام بتطبيقها أناس لا حظ لهم من العلم والمعرفة، فكان أكثر الأحكام يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية.