للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أنه – مع قبولنا لوجود فروق واضحة بين " العرف " وبين " الإجماع " (١) المتفق على اعتباره لدى جميع الأصوليين – يمكن أن نشاهد تداخلًا وتعاضدًا بين دليل " الإجماع السكوتي " الذي يحظى بأهمية كبيرة خاصة عند الحنفيين وبين دليل " العرف العام (٢) في بعض الحالات، وخاصة عند التوصل إلى أحكام الإباحة في إطار صيغة " من غير نكير " (٣) .

والخلاصة أن أمورًا كثيرة في أدب الفقه الإسلامي كان يتوقع الباحث المتعود على مفاهيم النظريات الحديثة أن تتعرض لها في إطار خاصيات اللغة قد تصورت ضمن مفهوم العرف والعادة كما تناولت العادات الاتفاقية والقواعد العرفية التي تلعب دور " القاعدة القانونية " (٤) دون تمييز بينهما وبعبارة أخرى، فقد تطرقوا إلى العرف والعادة باعتبار تأثيرهما بصفة مباشرة أو غير مباشرة على النتيجة القانونية التي ستطبق على الواقعة القانونية دون أي اهتمام بالاتجاه إلى وضع نظرية للعرف أو بيان للدور الذي يلعبه العرف والعادة (ككونهما يلعبان دور تكميل الفراغات القانونية أو تفسير النصوص أو إنارة الطريق للقاضي عند استعماله سلطة التقدير أو تفسيره التصرفات القانونية) .

فنحن في بحثنا هذا لن نتناول العرف كقاعدة قانونية فحسب، وإنما سنتطرق إلى العرف والعادة) دون تفريق بينهما باعتبار المضمون) من حيث مكانتهما في أدب الفقه الإسلامي غير أننا سنعمل من أجل توضيح أدوارهما المختلفة الطابع كما سنسعى بعد ذلك (في الباب الثاني من هذا البحث) في ضوء هذه التحاليل لإجراء بحث نقدي للمحاولات المستجدة لتطوير نظرية مستقلة للعرف في الفقه الإسلامي يجب أن ننبه هنا إلى أن الأمثلة في بحثنا هذا قد ضربت لتكون نماذج لاقتراحاتنا المتعلقة بتناول أدوار العرف والعادة المختلفة الطابع؛ لهذا ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار دائمًا وجود احتمال تقييم تلك الأمثلة بصورة مختلفة عند المذاهب الحقوقية الأخرى سواء من حيث النتائج أو الاستدلال.


(١) انظر في الفروق بين الإجماع والعرف: خلاف، مصادر، ص ١٢٤؛ مذكور (محمد سلام) المدخل للفقه الإسلامي ص ٢٢٩؛ خياط (عبد العزيز) ، نظرية العرف، ص ٣١، ٣٢.
(٢) انظر مثلًا: ابن همام، فتح القدير شرح الهداية، مصر، ١٣٠٦هـ، ٦ /١٥٧؛ سيد نسيب، أسس الفقه الحنفي (باللغة العثمانية) ، استانبول، ١٣٣٧- ١٣٣٩هـ؛ عبد الله (عمر) ، العرف، ص ٦ (نقلًا عن " شفاء العليل في حكم الوصية، لابن عابدين، ص ١٣٦) أبو زهرة (محمد) ، أصول الفقه، مصر، ١٩٧٣م، ص ٢٧٤.
(٣) انظر: البخاري، كشف الأسرار: ٣ /٢٢٨؛ الزيلعي، تبيين الحقائق: ٦ /٢٩ سنعود إلى هذه النقطة بمناسبة أخرى.
(٤) ولا يجب أن يفهم من عبارتنا هذه وجود حقوق العرف المستقلة بين مصادر الفقه الإسلامي لأننا كنا قد بينا آنفًا عدم تمكن العرف من الارتفاع إلى درجة " المصدر الشكلي " بين المصادر في الفقه الإسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>