للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يجد الأستاذ الزرقاء هذا التعريف وكذلك التعاريف الأخرى المأثورة واضحة ولا وافية (١) ، وقال إنه يحتاج إلى شرح طويل، ثم وضع تعريفا جديدًا مصرحًا بأنه مستوحى من التعريف والشرائط التي ذكرها الفقهاء والأصوليون وهو: " عادة جمهور قوم في قول أو فعل " وفي صدد التوضيحات التحليلية لهذا التعريف يبين أن العرف نوع من العادة وأن تحقق العرف يعتمد على نصاب عددي من الناس لا بد منه (محتزرًا عن العادة الفردية أو العادة المشتركة – وهي التي تساوي معتادوها وغيرهم عددًا -) وأن العرف ينقسم إلى لفظي وعملي وأن العادة لا تسمى عرفًا إلا في الأمور المنبعثة عن التفكير والاختبار لأن عادة الجماعة من الناس في قول أو فعل لا تكون إلا عن عقل واختيار وإلا كانت حادثًا طبيعيًّا مثل إسراع بلوغ الأشخاص في الأقاليم الحارة وبطئه في الأقاليم الباردة (٢) .

إلا أننا نلاحظ أن تعريف النسفي أفضل من ناحية تحديد معنى العرف حيث يتضمن كلًّا من الركنين المادي والمعنوي – كما سنرى ذلك في أركان العرف -.

٢-٣- النسبة بين العادة والعرف:

كما أشرنا آنفًا يرى الأستاذ الزرقاء أن العادة أعم من العرف لأنها تشمل العادة الناشئة عن عامل طبيعي، والعادة الفردية، وعادة الجمهور التي هي العرف؛ فتكون النسبة بين العادة والعرف – في نظره – هي العموم والخصوص (٣) ويوافق هذا الرأي آراء عدد كبير من الفقهاء أمثال القرافي (٦٦٤ / ١٢٨٤) (٤) ، وابن فرحون (٧٩٩ /١٣٩٧) (٥) ، والطرابلسي (٨٤١ /١٤٧٣) (٦) ، وابن أمير الحاج (٨٧٩ /١٤٧٤) (٧) في هذه المسألة.

ومن جهة أخرى ذهب بعض العلماء أمثال فخر الإسلام البزدوي (٤٨٢ /١٠٨٩) ، وابن الهمام (٨٦١ /١٤٥٧) (٨) ، وكامل ميراث (٩) إلى أن النسبة بين العادة والعرف هي العموم والخصوص المطلق ولكن العرف هو الأعم على خلاف الرأي الأول.

هناك رأي آخر يقول: إن العادة تختص بالأفعال والعرف بالأقوال (١٠) ، إلا أن كلًّا من لفظي العرف والعادة يستعمل أحدهما بدلًا من الآخر في غالب الأحيان أي أنهما بمعنى واحد دون تفرقة بينهما (١١) .

مع أنه يمكن الذهاب إلى تفريق بين هذين اللفظين، انطلاقًا من معانيهما اللغوية مثل القول بأن العرف يسوده طابع العلم والمعرفة والفهم، وبأن العادة تسودها أوصاف العمل والحركة والحادثة (١٢) ، ومثل القول بأن العرف يعكس " الشعور المشترك للمجتمع "، فإن شيوع استعمال أحدهما مكان الآخر يستسيغ اعتبارهما مفهومين مترادفين (١٣) .


(١) الزرقاء، المدخل الفقهي: ١ /١٣١ هامش رقم ١.
(٢) المرجع نفسه: ٢ /٨٤٠- ٨٤٣.
(٣) الزرقاء، المرجع نفسه: ٢ /٨٤٣، ٨٤٤.
(٤) القرافي، شرح تنقيح الفصول في الأصول، مصر، ١٣٠٦هـ، ص ٢٠٠.
(٥) ابن فرحون، تبصرة الحكام: ٢ /٥٧.
(٦) الطرابلسي، معين الحكام: ص ١٢٥.
(٧) ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: ١ /٢٨٢.
(٨) أبو سنة، العرف والعادة: ص ١١، ١٣.
(٩) ترجمة تجريد الصريح: MIRAS (Kamil) , Sahih- I Fuhari Muhtasari Tercrid – I Sarih Tercumesi، Ankara، ١٩٥٦, ٥/١١٧ N١
(١٠) الزبيدي (السيد محمد مرتضى) ، تاج العروس، مصر، ١٣٠٦ هـ، ٢ /٤٣٩، نقلًا عن صاحب: التلويح "
(١١) رشيد باشا، روح المجلة: ١ /١١٨؛ أبو زهرة، مالك: ص ٤٢٠ وأبو حنيفة ص ٣٥٠ هامش ١.
(١٢) (فلسفة التشريع الإسلامي / مقدمة على ترجمة أصول الفقه لخلاف) ATAY (Huseyin) ، Iislam Hukukunaa orf، Izmir, p ١٠٦- ١٠٧ (محمد شنار، العرف في الفقه الإسلامي)
(١٣) LEVY (Reuben) ، The Social Structure of Idlam, Cambridge، ١٩٥٧, p٢٤٨, ,N١.

<<  <  ج: ص:  >  >>