للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بخصوص الكشف عن سرِّ الثنائية الملحوظة في موضوع العرف في أدب الفقه الإسلامي، فلتحليل مفهوم المصدر أهمية كبيرة في نظرنا والحقيقة أن الباحث لا يستنكر هذه الثنائية في موضوع العرف في أدب الفقه الإسلامي إذا أخذ بعين الاعتبار ما بيناه في المصادر الشكلية بالنسبة إلى كل من المجتهد وفقيه الأدوار التي تلت أدوار الاجتهاد، لأن كتب الفروع تنظر إلى العرف من زاوية الإفتاء أو القضاء بغض النظر عن صلاحية الاجتهاد لمن يتولى ذلك، وهذا ما يجعل أصحاب هذه الكتب يهتمون اهتمامًا بالغًا بالعرف الذي ينتظم عددًا كبيرًا من المسائل الفرعية وكما هو معلوم فإن علم الفروع له صلة وثيقة بواقع الحياة.

وفي مقابل ذلك تهتم كتب الأصول بالمصادر من زاوية الاجتهاد، فمن الطبيعي أن لا يحتل العرف فيها مكانًا خاصًّا، وذلك لأن عدم تناول مفهوم المصدر مرادفًا لمفهوم " الدليل " (بمعناه الواسع) يدلنا – كما أشار إليه الغزالي رحمه الله وغيره من العلماء – على أن المصادر من حيث ماهيتها من جهة والاعتراف بحجيتها من جهة أخرى في الفقه الإسلامي تقتصر على مصدرين وهما الكتاب والسنة (١) وليس هناك مصدر آخر له مثل هذه الخاصية سواهما، لأننا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كلًًّا من قول الصحابي وشرع من قبلنا يؤول إلى الكتاب والسنة، نجد أن الخاصية المشتركة بين ما سوى هذه الأدلة هي كونها متعلقة " بالكيفية " دون " الماهية " ما عدا العرف، أي أنها لا تجيب على سؤال " من أين يؤخذ الحل الفقهي "؟ بل على سؤال " كيف يتم استنباط الحل من المصادر الأصلية؟ " فهذا ما يتبين لنا بجلاء إذا قمنا بدراسة الحجج التي يعول عليها لإثبات حجية تلك الأدلة الشرعية مثل القياس والاستحسان، فالآيات والأحاديث التي يستدل بها على حجيتها لا تحيل المجتهد على مصادر جديدة في الحقيقة، بل تنطوي على فكرة أساسية تدعم الأصولي في اختياره المنهج الواجب اتباعه لاستنباط حلول مناسبة لقضايا جديدة من المصادر الأصلية فعلى سبيل المثال، أن آية {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [سورة الحشر: ٢] تنطوي على فكرة " تسوية الحالات المماثلة في النتائج "، والمجتهد الذي يأخذ بالقياس مستدلًّا بهذه الآية الكريمة على حجيته يبرهن بذلك على صحة منهجه في الاستنباط دون أن يثبت مصدرًا جديدًا.


(١) بما أن الإجماع يعترف بوقوعه من طرف الجميع ينحصر في الإجماعات التي لها مستند في النصوص، يمكن أن نعتبر هنا أن الإجماع في نهاية أمره إلى القرآن والسنة

<<  <  ج: ص:  >  >>