للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم ينقل إلينا من أئمة المذاهب ما يعبر نظريًّا عن موقفهم إزاء العرف سوى بعض العبارات المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – مما تشير إلى مراعاته بتعامل أهل بلده في استنباط الأحكام وكذلك بعض التعليقات حول عبارات الإمام مالك – رحمه الله – فيما يتعلق " بعمل أهل المدينة " (١) .

ومع هذا يكاد يتفق المؤلفون على أن دراسة الأحكام التي توصل إليها أئمة المذاهب تبرهن على أنهم ليسوا بعيدين عن مراعاة العرف، بل وقفوا موقفا إيجابيًّا إزاءه ما لم يصطدم مع النصوص ومبادئ التشريع الإسلامي (٢) .

إلا أن موقفهم هذا لم يتبلور في كتب الأصول، بل برز في كتب الفروع فقط، وذلك حمل الباحث على القول بأن هناك ثنائية في أدب الفقه الإسلامي من جهة تناول الفقهاء للعرف كما بينا في الباب الأول، وقد أشرنا هناك أن قصدنا منها ليس الثنائية الملحوظة من ناحية الفقه النظري والتطبيقات القانونية في تاريخ التشريع للمسلمين (٣)

لا يمكن اعتبار عدم اهتمام الأصوليين بمفهوم العرف بالسلب أو الإيجاب أثناء دراستهم للأدلة الشرعية من قبيل الصدفة (٤) ، إذا وضعنا نصب أعيننا أنهم جعلوا بعض المفاهيم الأخرى موضوع تحاليل دقيقة ومناقشات واسعة مثل القياس والاستحسان ويجب الانتباه أيضًا في هذا المضمار أن الفقهاء – بغض النظر عن كتب القواعد للعلماء المتأخرين– حين استدلالهم على حجية العرف ببعض الأدلة مثل حديث: ((ما رآه المسلمون حسنًا ... )) ، لا يتناولون العرف كدليل أصولي أي مصدر من مصادر التشريع وإنما يستندون إلى تلك الأدلة بمناسبة توضيح بعض الأحكام الفرعية (والتنبيه إلى هذه الناحية بصفة خاصة لا يخلو من فائدة نظرًا لعدم إشارة الباحثين المعاصرين إليها أثناء ذكرهم أدلة حجية العرف) .


(١) انظر لبعض الروايات عن أبي حنيفة: أبو زهرة، أبو حنيفة، مصر ١٩٥٥ م: ص ٣٠٩؛ لعمل أهل المدينة: القاضي عياض، ترتيب المدارك، بيروت، ١٩٦٧م، ١ /٦٦ – ٧٤؛ لتقويم العمل بأنه العرف: الجيدي، العرف والعمل: ص ٣٣٥، ٣٩٣-٣٩٥ خاصة.
(٢) القرافي، مختصر تنقيح الفصول: ص ٧٦؛ ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، مصر: ١٩٥٥ م، ٢ /٣٩٣، ٣ /٨٩؛ أبو زهرة، مالك، مصر، ١٩٦٣ م، ١٩٦٤ م: ص ٤٢١؛ الجيدي، العرف والعمل: ص ٧٧ فما بعدها.
(٣) انظر لملاحظة Joseph SHACT وتعليقنا: الباب الأول، الهامش ٢٦ ويلاحظ أن R.LEVY في مادة " ruf " (العرف) و COLDZIHER I. في مادة " Ada" (العادة) أيضا يتناولان الموضوع بشكل أزيد من ناحية التطبيقات القانونية في تاريخ التشريع للمسلمين، انظر: Encyclopedie De L" Islam، Leyde (Hollande) , ١٩٣٤، I/١٢٤،,IV/١٠٨٧.
(٤) نلاحظ أن السرخسي يجعل العرف سببًا للاستحسان في كتابه المتعلق بالفروع وذلك على خلاف موقفه في كتابه المتعلق بالأصول، المبسوط: ١٢ /٥٩؛ الأصول: ٢ /٢٠٢، ٢٠٣ وكذلك نجد النسفي يذكر تعامل الناس بين الأدلة الشرعية في كتابه الخاص بالفروع ولا يذكره بينها في كتابه المتعلق بالأصول، المستصفى، مخطوط: ق ٥/أ؛ المنار في الأصول، استانبول، ١٣٢٩ هـ، ص ٢ انظر لحالة استثنائية في هذا الموضوع، الهامش ١٤٤ من هذا الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>