للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجدير بالذكر أن الغزالي يلجأ إلى استخدام تعبير " أصول الأدلة " (١) بين حين وآخر فهذا تعبير جيد من ناحية تحديد الشمول لمفهوم الدليل وإخراجه عددًا كبيرًا من الأدلة المستخدمة في الفقه سواء كانت مناهج للاستنباط أو مبادئ حقوقية من مضمونه وكذلك تعبير أصول الأدلة يعبر عن المصادر التي تشكل أصول تلك الأدلة وقبل تناول أصول الأدلة على حدة يشير الغزالي إلى أن أصل الأحكام واحد وهو قول الله تعالى إذا اعتبرنا السبب الملزم للأحكام، وأما إذا اعتبرنا المظهر لهذه الأحكام فهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم (٢) .

أما القياس فهو دليل يعترف الغزالي بحجيته ويدافع عنه دفاعًا حارًّا، ولكنه لا يذكره في نظرية المصادر، لأنه يراه منهجًا من مناهج استنباط الأحكام فيحله بين طرق استثمار الأحكام ومما يلفت النظر أن الغزالي قد انتبه إلى الفرق بين تفسير النصوص وبين القياس، وتناول القياس تحت عنوان مستقل غير العنوانين المتعلقين بتفسير النصوص.

فهذا كله يتعلق بمفهوم المصادر الشكلية في الفقه الإسلامي بالنسبة إلى من يتمتع بأهلية الاجتهاد وبعبارة أخرى فإنه إذا سُئِلَ " في أي مصدر يبحث المجتهد عن حل للقضية المعروضة عليه؟ " فالجواب هو ما ذكرناه آنفا من القرآن والسنة والإجماع، أما بالنسبة لمن أتى بعد أدوار الاجتهاد سواء كان قاضيا أو مفتيًا فالمصادر الشكلية له هي من حيث المبدأ اجتهادات المذهب (doctrine) (٣) ، والقوانين التي أصدرتها الدولة في بعض المجالات.

٦-١-٢- تحليل لعدم تناول الأصوليين للعرف بين المصادر في مقابل الأهمية التي حظي بها العرف في فروع الفقه:

ومن المعلوم أنه لم يصل إلينا من أئمة المذاهب – ما عدا الإمام الشافعي رحمه الله - (٤) بيان بتأليف خاص للأصول والمناهج التي سلكوها في استنباط الأحكام، وأنها دونت بعدهم بطريقة استقراء الأحكام الفرعية في مذاهبهم والاستناد إلى بعض الروايات عنهم حول هذه الأصول والمناهج.


(١) الغزالي، المستصفى: ١ /١٠٠، ٢٤٥.
(٢) الغزالي، المستصفى: ١ /١٠٠
(٣) CHEHATA (Chafik) ، Etudes De Droit Musulman، paris، ١٩٧١, p٣٤.
(٤) لا يتحدث الشافعي عن العرف في أصوله (الرسالة) أما مسألة إعراضه عن مذهبه القديم لاطلاعه في مصر على عوائد غير العوائد التي كان يعرفها في الحجاز والعراق (عمر عبد الله، العرف: ص ٣٣؛ خلاف، أصول الفقه: ص ٢٣٨) ففيها نظر يقول الشيخ أبو سنة في هذا الموضوع: " ونحن لا نشك في أن الشافعي رضي الله عنه يقول بأنواع العرف الأربعة كما تقدم الاستشهاد لها بمثل من فقهه، ولكن جعل العرف من أسباب العدول عن مذهبه القديم محل نظر فقد تتبعت كثيرًا من الفروع التي اختلف فيها المذهبان القديم والجديد، فوجدت مداركها كلها حديثية أو اجتهادية ولا أثر للعرف فيها...... وسألت كذلك من أثق به من حضرات علماء الشافعية فأنكروا هذا الكلام، وأيًّا ما كان فهذه مسألة تاريخية فصل القول فيها يتوقف على استقرار الأحكام التي اختلف فيها المذهبان " (العرف والعادة: ص ٧٩، ٨٠) ويرى المحمصاني أن التعديلات التي أجراها الإمام الشافعي في مذهبه بمصر كانت بسبب ظروف اجتماعية تختلف من بلد إلى آخر، فلسفة التشريع: ص ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>