للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦-٣- نظام إعمال الأدلة الشرعية في الفقه الإسلامي ومكانة العرف فيه، وأخيرًا: نود أن نشير إلى بعض المقاطع التي لها أهمية من ناحية تقييم مكانه العرف في الفقه الإسلامي:

أولا: كان العرف مصدر تنظيم لكل المجالات الاجتماعية عند العرب قبل الإسلام، أما بعدة فقد أهميته السابقة، لأن الإسلام جاء بالقرآن والسنة كمصادر أصلية للتشريع (١) وذلك ما يلاحظ في نظم الحقوق الحديثة أيضًا حيث إن العرف أصيب بالوهن بعد قيام حركات التدوين فيها حتى يمكن القول بأن العرف لم يعد يحتل مكانته السابقة في الفقه الإنكليزي اليوم.

ثانيا: إن العقل بمعنى " النفي الأصلي "أو " العدم الأصلي " الذي يذكره الغزالي بين أدلة الأحكام والذي يقول فيه: " إن تسميته أصلا من أصول الأدلة تجوز " لا يمكن إنكار أهميته من ناحية نظام إعمال الأدلة، أي أن الاستصحاب في معناه الضيق يغني الفقيه من البحث عن الدليل في الجزئيات كلها وبعبارة أخرى فإنه لا يمكن التحدث عن وجود حكم يأتي بتكليف (الوجوب، الندب، الحرمة، الكراهة (أو مؤيده شرعية) مثل الفساد أو البطلان أو العقوبة أو الضمان) في الفقه الإسلامي إلا بالاستناد إلى النصوص الخاصة (أي بالاجتهاد البياني أو القياسي) أو إلى روح النصوص (أي بالاجتهاد الاستصلاحي) كما أسلفنا إذًا فالمجال واسع لمواكبة العرف لمتطلبات الحياة لأن الأصل هو الإباحة في الأشياء وبراءة الذمة، ما لم يعول في الحكم المخالف لذلك على النصوص إما مباشرة وإما برابطة خاصة – وهي العلة ومنهج ربطها يسمى قياسًا – أو عامة – وهي مبادئ الشريعة ومنهج ربطها يسمى استصلاحًا.

ثالثًا: يتبين ما سبق أن العمل بالعرف في تشريع الإباحة لا يقتضي دليلًا خاصًا، لكونه من مقتضيات مبدأ النفي الأصلي، وإنما تمس الحاجة إلى دليل خاص في التشريع الإلزامي ولتوضيح ذلك نقتبس من العلامة الطاهر ابن عاشور ما يقول فيه:

" ولهذه الحكمة الخصوصية جعل الله هذه الشريعة مبنية على اعتبار الحكم والعلل التي هي من مدركات العقول لا تختلف باختلاف الأمم والعوائد ".

إذن فمراعاة عوائد الأمم المختلفة هو خلاف الأصل في التشريع الإلزامي وإنما يسعه تشريع الإباحة حتى يتمتع كل فريق من الناس ببقاء عوائدهم.


(١) المحمصاني، فلسفة التشريع: ص ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>