للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الإباحة لما كان أصلها الدلالة على أن المباح ليس فيه مصلحة لازمة ولا مفسدة لزم أن يراعى ذلك في العوائد فمتى اشتملت على مصلحة ضرورية أو حاجية للأمة كلها أو ظهرت فيها مفسدة معتبرة لأهلها لزم أن يصارَ بتلك العوائد إلى الانزواء تحت القواعد التشريعية العامة من وجوب أو تحريم ولهذا نرى التشريع لم يتعرض لتعيين الأزياء والمساكن والمراكب فلم يندب الناس إلى ركوب الإبل في الإسفار ولم يمنع أهل مصر والعراق من ركوب الحمير ولا أهل الهند والترك من الحمل على البقر، لذلك لم يحتج المسلمون إلى تطلب دليل على إباحة استعمال العجل والعربات والأرتال، وكذلك أصناف المطاعم التي لا تشتمل على شيء محرم الأكل بحيث لا يسأل عن ذلك إلا من جاهل بالتركيب أو جاهل بكيفية التشريع.

فنحن نوقن أن عادات قوم لا يحمل عليها قوم آخرون في التشريع ولا أن يحمل عليها أصحابها كذلك، نعم يراعي التشريع حمل أصحابها عليها ما داموا لم يغيروها، لأن التزامهم إياها واطرادها فيهم يجعلها منزلة منزلة الشروط بينهم يحملون عليها في معاملتهم إذا سكتوا عما يضادها " (١) .

ففي التشريع الإلزامي لا يعتبر العرف مصدرًا بصورة مباشرة وإنما يلعب دوره عن طريق منهج الاستصلاح وفي بعض الأحيان عن طريق منهج القياس كما بينا في الباب الأول، ولعل الأستاذ أبا سنة يقصد هذا المعنى، إذ يرى من الضروري رد العرف إلى واحد من الأصول الشرعية مثل المصلحة المرسلة، وأصل المنافع والمضار ودلالة الإجماع للتعويل عليه (٢) .

رابعا: يشاهد أن العرف يلعب دوره أيضا عن طريق منهج الاستحسان الذي يتسم بطابع سلبي فتزول به شدة وقسوة القياس أي القاعدة العامة التي يرى المجتهد عدم انطباقها على بعض المسائل من خلال اختبار الصحة المنطقية أو الصحة الأخلاقية أو الصحة الاجتماعية والثقافية للحقوق.

* * *


(١) الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية: ص ٨٩-٩١.
(٢) أبو سنة، العرف والعادة ص ٣٢ – ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>