للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاتمة

من خلال دراستنا للعرف في الفقه الإسلامي نخلص إلى ما يلي:

١- لا يمكن إنكار ما للعرف من تأثير عميق على الفرد والمجتمع كما لا يمكن القول بأن التشريع الإسلامي أهمل هذا التأثير له ولم يحتفل به.

٢- ويمكن البت – بعد تمحيص النظر في النصوص – في أن العرف يجب مراعاته في استنباط الأحكام وتطبيقها ولكن لا يبدو أن هناك إمكانية القول بأن النصوص اعتبرت العرف مصدرًا مستقلا لأن إثبات أصل من الأصول (المصادر) يقتضي الدليل القطعي كما نبه إلى ذلك الغزالي بمناسبة تقويم حجية دليل آخر.

أما الأدلة المذكورة بصدد إثبات حجية العرف فهي ظنية كما بينا ذلك في مكانه والجدير بالذكر هنا أننا إذا نظرنا إلى ما يستند إليه كثير من الباحثين بقولهم: " يستدل العالم الفلاني بالآية الفلانية أو الحديث الفلاني على حجية العرف " نلاحظ أن هذا العالم لا يتناول موضوع حجية العرف مستقلا، بل يتحدث عن حجيته بمناسبة حكم فرعي لتدعيم النتيجة التي توصل إليها والتي لها صلة بالعرف.

إلا أنه إذا وضعنا نصب أعيننا أن الدليل الأقوى في نظر العلماء بين الأدلة التي يستدل بها على حجية الإجماع هو ما جاء في عدد كبير من الأحاديث المروية بطريق الآحاد من الدلالة على معنى مشترك مفاده عدم اتفاق الأمة الإسلامية على الضلالة وضرورة ملازمة الجماعة (أي هو المتواتر المعنوي) فالقيام بمثل هذا الاستدلال بشأن العرف لا غبار عليه ولكن النتيجة النهائية لهذا الاستدلال – بحسب ما يبدو لنا – لا تمكننا من قبول العرف مصدرًا مستقلا (١) .


(١) يقول أبو سنة: " فهذا شهاب الدين القرافي يعتد العوائد من أدلة حجية الأحكام " (العرف والعادة ص ٢٨) وبعد دراسة أدلة حجية العرف يخلص إلى أن الفقيه لا يمكن أن يتخذه دليلًا ما لم يؤيده أصل من أصول الفقه (ص ٣٢) ثم يقول: " إن المراد من جعل العوائد دليلًا في كلام القرافي أنها طريق للقاضي إلى الفصل في الدعوى (ص ٣٢) . ونجد ZIADEH أنه يصرح – مستندا إلى كتاب أبي سنة ص ٣٢ – بأن القرافي عد العوائد بين مصادر الفقه واعتبرها مصدرًا محددًا (“ Urf and law in Islam ”,p٦٤) ”a definite soure” والحقيقة أن القرافي يمتاز بتفريقه المعاني المختلفة لمفهوم " الدليل " عن بعضها البعض؛ إذ يقسم الأدلة إلى ثلاثة أقسام: أدلة مشروعيَّة الأحكام، وأدلة وقوع الأحكام، والحجاج وعند تناوله أدلة مشروعية الأحكام لا يعد إلا ثمانية عشر دليلا ولا يذكر بينها العرف أو العوائد مع أنه يقول " وهي نحو عشرين " الفروق: ١ /١٢٨ الفرق: ٢٦ أما في كتابه المتعلق بالأصول فيقول في الباب الذي عنونه " في جميع أدلة المجتهدين ": "وهي تسعة عشر "، ويذكر بينها " العادات " (تنقيح: ص ٧٤؛ " العوائد " في شرحه: ص ٢٠٠) ثم يقول: " ينقل عن مذهبنا أن من خواصه اعتبار العادات والمصلحة المرسلة وسد الذرائع وليس كذلك. أما العرف فمشترك بين المذاهب، ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها " (ص ٧٦، وشرحه: ٢٠٠) . بالرغم من أن هذا التصريح يمكن اعتباره استثناء لعدم تناول الأصوليين العرف فإنه ليس تناول العرف ودراسته كدليل مستقل في حقيقة الأمر، وإنما عبارة عن ذكره بين مناهج التشريع ومبادئه، علمًا بأن القرافي لا يذكره في الفروق بالرغم من عده ثمانية عشر دليلًا فيه أما عبارة " العرف مشترك " الواردة في كتاب القرافي وكذلك النسفي (المستصفى، مخطوط، مكتبة سليمانية (استانبول) قسم فاتح، رقم ١٨٤٦، ق ١٣٢/ أ) فيبدو أنها تعود في آخر المطاف إلى التنويه بدور العرف في تفسير النصوص والتصرفات القانونية ونتوصل من خلال ذلك إلى أن القرافي لا يعتبر العرف دليلًا في معنى " المصدر الحقوقي "، مع اهتمامه الكبير به سواء في استنباط الأحكام أو في أمور الفتوى والقضاء فمع أننا نشارك رأي الأستاذ أبي سنة في هذه المسألة مبدئيًّا، إلا أننا لا نحبذ حمل كلام القرافي على أن العوائد طريق للقاضي إلى الفصل في الدعوى فقط، لأنه يذكرها بين " أدلة المجتهدين ".

<<  <  ج: ص:  >  >>