لقد نظر الفقهاء والأصوليون إلى العرف اللفظي نظرة اعتبار فقهية، وأن معنى لفظ المتكلم ينصرف إلى المعاني المقصودة بالعرف حين التكلم وإن خالفت المعنى الحقيقي لها في اللغة والمعنى الاصطلاحي لها في الفقه، فإن الحقيقة تترك للدلالة على العادة وهذا ما قرره ابن عابدين: ٢ /١٣٣. من الرسالة حيث قال: يحمل كلام الحالف والناذر والموصي والواقف وكل عاقد على لغته وعرفه وإن خالفت لغة العرب ولغة الشارع وينبني على ذلك أن ما تعارف عليه العوام من أساليب تفيد معنى العقد أو تعليقه أو تنجيزه أو معنى الإذن أو الإجارة إلخ.
يعتبر هو المعنى المقصود ولو خالف المعنى اللغوي في الفصحى وبطبيعة الحال يختلف معنى اللفظ في اللغة العامية من مكانٍ إلى آخر فتكون العبرة في كل مكان يعرفه في التخاطب والعبرة في المعنى العرفي بالمعنى الموجود وقت صدور التصرف القانوني وعلى ذلك فالألفاظ التي تصدر عن التصرف في التصرفات القانونية سواء كانت تتم بإرادة منفردة كالوصية أم بإرادتين كعقود المعارضة. فإنها تحمل على المعنى العرفي لهذه الألفاظ وتفسر النصوص والتصرفات التي تمت في ظل العرف القديم على المعنى القديم. أما التصرفات التي تتم في ظل المعنى العرفي الجديد فإن ألفاظهما تفسر في ضوئه، وهذا ما عبر عنه ابن نجيم في الأشباه والنظائر ١ /١٢٢. بقوله: العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو المقارن السابق دون المتأخر ولذلك قالوا لا عبرة بالعرف الطارئ. وبالمثل يجب أن تفهم النصوص التشريعية بحسب تداولها اللغوي والعرفي وقت صدور النص ولا عبرة بتبدل مفاهيم الألفاظ نتيجة لعرف متأخر ولذا قال القرافي: إن دلالة العرف مقدمة على دلالة اللغة لأن العرف ناسخ للغة والناسخ مقدم على المنسوخ فكما أن عقد البيع يحمل فيه الثمن على النقود المعتادة ولا عبرة في عقد البيع لتبدل العادات بعده في النقود. وكذلك نصوص الشريعة لا يؤثر فيها إلا ما قارنه من العادات.
والحال كذلك في النظرة الفقهية للأعراف العملية فما يعد عيبًا في البيع وما يعتبر من توابعه ... إلخ. يرجع فيه إلى العرف الجاري وقد صدور البيع لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطا ولا عبرة بما يحدث من تغيير في العرف في وقت لاحق، وهذه القاعدة عبر عنها الفقهاء في كتبهم بصيغ مختلفة منها قولهم الثابت بالعرف كالثابت بالنص ونحو ذلك. غير أنه يجب التنبيه هنا على القاعدة القائلة والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا (١) .