وهذا أيضًا له قسمان، تارة نكتشف من خلال العرف رأي السنة في هذا الحكم الفرعي، وأخرى نكتشف رأي السنة في هذه الحجة الأصولية. فأحيانًا يستندون في صحة عقد الاستصناع إلى أنه متعارف، ولكنه متعارف كيف؟ يمتد هذا العرف إلى عصر التشريع، ويقره عليه الصلاة والسلام، وحينئذٍ من طريق التقرير – وهو جزء السنة – نكتشف صحة عقد الاستصناع. العرف هنا شكل واسطة ومرآة يرينا بها السنة فقط. القسم الثاني من المجال الأول وهو اكتشاف السنة، اكتشاف الحجة الأصولية. نسأل ما الدليل على جواز الأخذ بالظواهر، أو وجوب الأخذ بالظواهر؟ يقولون: العرف عرف العقلاء، عرف الناس هو الأخذ بظواهر الكلام، وهذا العرف – كما يقول البعض – يستصحب استصحابًا قهقريًّا، يرجع به إلى عصر التشريع، وهو متداول أمام الرسول العظيم، وحينئذٍ فقد أقره، ونكتشف منه بعد عدم صدور ردع منه عليه الصلاة والسلام أنه يقره. فهنا نكتشف الحجة الأصولية، ويجمعهما اكتشاف السنة فقط، هذا هو المجال الأول، وأرجع إليه الكثير مما قيل عن الإسناد إلى العرف.
المجال الثاني، ما يشخص به مفردات النصوص الشرعية يعني هناك مفردات ترد في النصوص الشرعية (إناء، صعيد، غنى، إسراف، تبذير، قوة) هذه تعبيرات ترد في النصوص الشرعية لكى نشخص مراداتها نرجع إلى العرف. فبهذا المعنى تارة نشخص هذه المفاهيم، وأخرى نشخص المرادات لما يمكن أن نسميه بملازمات الحكم. يعني، عندما يحكم الشارع بطهارة الخمر الذي تحول إلى خل، أستطيع أن أكتشف بأن الشارع أيضًا يحكم بطهارة أطراف الإناء الذي يكون فيه الخل، انتقالي من طهارة هذا السائل إلى طهارة الإناء انتقال عرفي بملازمة عرفية، بعمقة لزومية عرفية نقلتني من هذا المجال إلى المجال الآخر، كأن الشارع قال لي من خلال هذه الواسطة: إن السائل يطهر، ويطهر أطراف إنائه معه من خلال الملازمين، اعتمد الشارع على هذا الفهم العرفي لمراداته. هذا جانب مهم، ويدخل في هذا الارتكازات العرفية للمتكلمين أيضًا، عندما يحتمع متعاقدان في سوق تسودها ارتكازات عرفية معروفة لا يحتاجان للتصريح بكل القيود، وبكل الارتكازات التي يعتمد عليها السوق، يكفي أن يعقدا العقد، وبشكل طبيعي تتضمن تلك الارتكازات كشروط في هذا العقد، باعتبارها شروطًا ضمنية لو كانت واضحة. أيضًا يدخل في هذا الباب تشخيص ما يسمى بمناسبات الحكم والموضوع لنفترض أننا لا نملك دليلًا، وهذا افتراض قد يخالف الحقيقة، على أن ولاية المرأة باطلة، لكن مناسبات الحكم والموضوع أو ما يمكن أن يسمى بروح الشريعة التي يفهمهما العرف تجعل الإنسان يطمئن، ما دام الرجل هو القاضي، وما دام الرجل هو الإمام في الجماعة، ... إلخ. يطمئن مناسبات الحكم والموضوع هي التي تفرض وجود شرط الرجولة في ولي المجتمع. وأريد أن أقول – وأعتذر من هذا التطويل، وأنا لا أريد التطويل لكن هذا مهم جدًّا – إن العرف يدخل إذن في مجالين فقط، استكشاف السنة، وتشخيص المراد. هناك بعض الردود السريعة جدًّا – وإذا سمح لي سيدي الرئيس.