للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دحض الحملات المغرضة والاتهامات الباطلة:

لقد حمل رجال الفكر التحرري على الشريعة والفقه الإسلامي حملة شرسة ورموها ادعاء وكيدًا بشتى التهم معلنين ومرددين:

إن هذه الشريعة غير صالحة لزماننا وإنها جاءت لوقت معين وظرف خاص، فمسائلها محدودة وأحكامها معدودة إن في الكتاب وإن في السنة وما وراءهما، وخصوصًا فيما استجد من شؤون الحياة ومشاكل المجتمعات التي لا تكاد تنحصر كثرة وجزئيات ولا أثر لذلك في مصنفات الفقه وكتب الأحكام عامة. في حين عرف القانون الأوروبي والأحكام الوضعية تقدمًا وتطورًا ومجاراة للمجتمعات الإنسانية حيث وضعت التشاريع والقوانين لكل ما يقع فيها. فالشريعة والفقه وقفا عند حدود النصوص المثبتة في المدونات والكتب الفقهية التي جمدت كما يشهد لذلك تاريخ الفقه الإسلامي، أما القوانين الوضعية فهي توضع كل يوم وبحسب الحاجة إليها. وهي بذلك مواكبة للعلم والتقدم ومغطية لكل مشاكل الحياة قديمها وحديثها. ولا يترك المتطور الجديد المناسب لأوضاعنا في هذا العصر من أجل العكوف على القديم الجامد والالتزام به. هذا مع ما في الأحكام الشرعية من شدة وقسوة ووحشية نلمسها في الحدود والقصاص ولا تستطيع معها أن ترقى إلى مرتبة الأحكام الوضعية المتناسقة مع الزمن والمسايرة للرقي والمدنية.

وهذا الاتهام بالضيق وبالحصر والتخلف والتأخر وإن انطلى على العامة فزعزع عقيدتهم في دين الله وذعر الخاصة فراحوا يطلبون المخرج من ذلك، يعلم الناقدون للشريعة الإسلامية والمتحاملون عليها أنه مردود بما يصدر عن الفقهاء والمفتين فرادى ومجتمعين في أحكام النوازل من بحوث وفتاوى. "وإن للشرع مبنى بديعًا وأساسًا هو منشأ كل تفصيل وتفريع. وهو معتمد المفتي في الهداية الكلية والدراية وهو المشير إلى استرسال أحكام الله على الوقائع مع نفي النهاية، وذلك أن أصول الأحكام وقواعد الشريعة العامة متقابلة بين النفي والإثبات والأمر والنهي والإطلاق والحصر والإباحة والحظر. ولا يتقابل قط أصلان إلا ويتطرق الضبط إلى أحدهما وتنتفي النهاية عن مقابلة ومناقضة" (١) . وإن الأحكام الشرعية دين تقوم على حماية حقوق الناس وضمان المصالح والمنافع لهم في أي عصر من العصور، وإنها تجمع الرادع إلى الوازع بما تغرسه في النفس من هداية وتملأ به الروح من استقامة، وتحميه وتنشره من مبادئ وقيم ثابتة، كانت منشأ عزة الإسلام وقوته وتقدمه. وإن عوارض التخلف والتأخر في المجتمعات الإسلامية كانت بالعكس بسبب التفريط في هذه الأحكام ووقوع الناس فريسة للجهل والتواكل والفقر والرضا بالدون وقعود الهمم وخراب الذمم {وأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ومَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} (٢) .


(١) إمام الحرمين. الغياثي: ص ٤٣٣، ٦٤٥.
(٢) سورة الجن: الآيتان١٦،١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>