للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما حصل للفقه من استقرار وجمود حمل الشيخ محمد مصطفى المراغي على الإشارة بأصابع الاتهام فيه إلى الفقهاء في مذكرته الشهيرة حول إصلاح الأزهر ١٩٢٨م حين قال:"إن الأمة المصرية تركت الفقه الإسلامي لأنها وجدته بحالته التي أوصلها إليه الفقهاء غير ملائم ... ولو أنها وجدت من الفقهاء من جارى أحوال الزمان وتبدل العرف والعادة وراعى الضرورات والحرج لما تركته إلى غيره". فإن مرده في الواقع ليس ما ذكره في المحل الأول وإنما السبب في ذلك هو الاستعمار وما حمل الناس عليه بالقوة، أو الحكام ومافرضوه على المسؤولين من اتجاه أو طبيعة التطور وما تحكمت به الظواهر الاجتماعية والفكرية في الناس، أو الشريعة والفقه ذاته الذي لم يستفد من الأصول والقواعد العامة التي من أبرزها في هذا المجال التيسير على الناس ورفع المشقة والحرج ومراعاة المصالح والضرورات وتغير الأحكام بحسب العادات والأعراف في كل زمن مما يخلع على الشريعة الصلاحية الدائمة واستيعاب القضايا والجزئيات ويكسب الفقه المرونة التي تميز بها في صدر النهضة الأولى. (١) .

ولقد وجهت طائفة من المستشرقين في دراساتها تهمة جديدة للشريعة الإسلامية حين اعتبروها أمرًا مثاليًّا يعني أساسًا بالقيم الدينية والأخلاقية المؤمل توفرها في حياة الناس وإنها بذلك لا تنطبق بالضرورة على الواقع وجعلوها في مرتبة القانون الوضعي. ومن بين هؤلاء جولدزيهر وأندرسون وشاخت ولولسون. وازداد هذا الموقف وضوحًا في كتاب نوبل ج كولسون حين قال في "تاريخ الفقه الإسلامي": " إن انقطاع الوحي بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الشريعة الإسلامية بما تحقق لها من كمال التعبير والبيان ثابتة غير قابلة للتغيير.. وأصبح على المجتمع أن يتطلع إلى ما تمثله من معايير مثالية وصحيحة إلى الأبد" (٢) . وأكد ذلك في كتابه الثاني "التعارض والقضاء في الفقه الإسلامي" بتخصيصه فصلًا يبحث فيه التنازع القائم في الفقه الإسلامي بين النزعتين المثالية والواقعية (٣) . وكان من الطبيعي أن يجد هذا الاتجاه الخطير لفصل الشريعة والفقه عن الحياة إبطالًا ونقضًا فكتبت الدراسات والبحوث لبيان الأمر وتصحيح النظر وكان ممن أسهم في هذا د. محمد مصطفى شلبي بكتابه الفقه الإسلامي بين المثالية والواقعية (٤) .


(١) فهمى هويدي. العربي: ٣٣٨. يناير ١٩٨٧م: ص٨٢.
(٢) فهمى هويدى.
(٣) فهمي هويدي: ص٨٣.
(٤) فهمي هويدي: ص٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>