للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أبرز الاتهامات التي روجها مؤرخو الغرب عن التشريع الإسلامي، وبحثها الحقوقيون والفقهاء في دراساتهم ومحاضراتهم وكتبهم وناقشوها قديمًا وحديثًا دعوى أن الفقه الإسلامي مستعار من التشريع الذي كان العمل به قائمًا قبل الهجرة وأنه قد استمد أحكامه وخاصة في المعاملات من القانون الروماني. فقد لبث بنو أمية في الشام مدة طويلة يطبقون الأحكام الموجودة به في عهد الرومان وأن الإسلام كان مضطرًا لمواجهة النزاعات والخصومات منذ السنين الأولى من انتشاره شامًا وعراقًا بالاحتكام إلى القانون الروماني تفاديًّا من وقوف سير العدل ومن حصول الخلل في الأحكام وإن التشريعات التي كان يعمل بها الفقهاء أوائل الدولة العباسية كانت عبارة عن مجموعة أحكام تضاهي ما كان العمل جاريًّا به في سورية قبل الفتح الإسلامي. وقد نقض هذه الفرية من البداية الأستاذ صاوا باشا الرومي أحد رجال الحقوق في عهد السلطان عبد الحميد الثاني وصاحب كتاب "نظرية الحقوق في الإسلام"، حمله على ذلك عدم الأخذ بالظنة والحيطة في الأمر ورجوعه قبل إبداء الرأي إلى كتب الفقه الإسلامي يدرسها ويحللها مفرقًا بذلك بين منابع التشريعين الروماني والإسلامي ومنبهًا إلى أن فقه الإمبراطور تروستينيانوس الذي كان يدرس بأشهر مدرسة للحقوق في ذلك العصر مدرسة بيروت والذي كان من أكبر القائمين عليه فيها بتلك الفترة " دورني مساعد تريبونين" الفقيه المشهور كان العمل فيه مبنيًّا على العقل البشري السليم وإن اصطبغ في تلك الآونة بالصبغة المسيحية. أما الفقه الإسلامي الذي تتبعه صاوا باشا في أقرب المصادر إليه وهي كتب الفقه الحنفي فهو مبني على كتاب الله وسنة رسوله. ولن تجد في الفقه الإسلامي حكمًا واحدًا غير مدعم على هذا أو هذه. وبذلك يتمايز مصدر الفقهين. ويمضي صاحب نظرية الحقوق في الإسلام فيورد خلاصة اجتهاد الإمام أبي حنيفة وأصحابه أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وزفر، ثم من بعدهم من الأئمة ملخصًا تاريخ التشريع الإسلامي مبينًا مآخذه كلها مثبتًا فلسفة هذا الفقه المتمثلة في علم الأصول قائلًا: "إنه لا يقدر أحد من الناس أن يعلم مأخذ الشرع الإسلامي إن لم يقرأ أصول الفقه، وأدعو من يهمه هذا الموضوع أن لا يحكم فيه قبل أن يطالع هذا التاريخ المتسلسل للفقه الإسلامي مطالعة كافية" (١) .

ومن المفارقات المذكورة بين القانونين والفقهين أن القانون الروماني يقوم أساسًا على اعتبار سلطة رب الأسرة وليس كذلك الشريعة الإسلامية التي جعلت أساسها حرية الفرد، ومنها اختلاف القانون التجاري الإسلامي عن القانون الروماني – الذي كان من قبل قانونًا عامًّا لأوروبا بخلوه من الإجراءات والتعقيدات الشكلية التي تدعو إلى بطء المعاملات وعرقلة التجارة ويؤكد هذا ما ذكره الدكتور زيني المدرس بالجامعة المصرية وعميد كلية التجارة بها سابقًا، في كتابه "أصول القانون التجاري" من أن التهمة باطلة والعكس هو الصحيح وذلك في عرض حديثه عن تأثير الشريعة الإسلامية في تكوين العادات التجارية إذ يقول: "ذكر بعض مشاهير كتاب الغرب أن تجار الجمهوريات الإيطالية في القرون الوسطى استفادوا من عادات العرب والأتراك (المسلمين) واستمدوا منها لتجارتهم ماتخلصوا بواسطته من القيود والتعقيدات التي ألفوها في القانون الروماني" (٢) .


(١) صبري: ٤ /٢٩٩؛ محمد حميد الله. (هل للقانون الرومي تأثير على الفقه الإسلامي) دراسات لخمسة من العلماء.
(٢) صبري: ٤ /٢٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>