للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى المقارنة بين مروجي التهمة والناقضين لها يقول شكيب أرسلان: لقد بنى صاوا باشا حكمه على أدلة وبراهين ووثائق ونصوص وحقائق تاريخية، أما أولئك فقد أقاموا حكمهم على ظنون وتخرصات، وعلى نظر من جهة واحدة، وعلى قولهم لا بد أن يكون كذا، وهناك أسباب تدعو إلى الظن بأنه كذا، ومن يدري فقد يكون كذا، وهذه أشياء لا تصلح أن تكون مدارًا للأحكام، ولا يقال هذا تمحيص وإنما هو تخمين وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا (١) .

مدى تطبيق القوانين الإسلامية على غير المسلمين:

كما يناسب في هذا المقام أن نشير إلى أن الإسلام لم يحكم غير المسلمين قسرًا فيفرض عليهم في مسائل دينهم قوانين كما فعل الغرب، بل جعل للقاضي الشرعي أن يفصل بينهم إذا تراضوا على حكمه، فإن أبوا فصل بينهم إجباريًّا قاضي دينهم. وبهذا يعتبر التشريع الإسلامي مصدرًا فقهيًّا لإحدى القواعد الأساسية للقانون الدولي الخاص وهي قاعدة شخصية قوانين الأحوال الشخصية التي تقررت في مجمع أكسفورد ١٨٨٣م وفي مؤتمر لاهاي ١٩٠٤م وجاءت بها أخيرًا اتفاقية مونترو ١٩٣١م.

استقلالية القوانين الإسلامية:

هذا وقد أبطل الدعوى من أساسها قرار مؤتمر القانون المقارن الذي عقد في مدينة لاهاي ١٩٣٨م والذي قضى صراحة بأن للشريعة الإسلامية نظامًا قانونيًّا مستقلًا غير مأخوذ من التشريع الروماني. وعلى أساس هذا القرار طالب رئيس وفد مصر حافظ رمضان باشا لدى لجنة المشرعين في واشنطن المنعقدة بشأن وضع مشروع قانون محكمة العدل الدولية بوجوب تمثيل الشريعة الإسلامية في محكمة العدل الدولية.

تفنيد وإبطال الدعاوى التي قامت ضد الفقه الإسلامي:

وبسبب ما اقتضاه النظر الفقهي الاجتهادي في تحديد الأحكام من الاختلاف واعتماد كل إمام على ما صح عنده من الأدلة وأخذ به من الضوابط والمرجحات وهو ما زكاه النبي صلى الله عليه وسلم وأذن به فقال: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) (٢) . جاء يزكيه أيضًا ما أقره الأشياخ من اعتبار لتلك المذاهب الفقهية بقولهم اتفاقهم بحجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة، فإن الناكبين عن الشريعة والمشككين في صحة الفقه ووجوب الالتزام به حملوا مرة على هذه الثروة القانونية التي تنطوي على كل ما يحتاج إليه المسلمون فرادى وأمة ودولة والتي هي على مقربة منا تقع تحت أيدينا وفي خزائن دور الكتب التي ورثناها عن أسلافنا، والتي تمثل أثرى كنز للمسلمين وعملت بها الدول الإسلامية المتعاقبة إلى أقرب عهد منا، فقالوا إنها ليست من الدين، ونادوا مرة أخرى بإبطال المذاهب ونبذها، وذهبوا ثالثة إلى الاعتصام بالقوانين الوضعية المضبوطة وترك ما قد تحمل عليه تلك الآراء المختلفة من الفوضى والاضطراب. وقد يكون من المناسب أن نقف قليلًا إزاء كل دعوى كاشفين عن الباطل فيه موجهين إلى وجه الصواب في معالجتها.


(١) صبري: ٤ /٢٩٩.
(٢) خ اعتصام: ٣١؛م أقضية: ١٥؛ د أقضية: ٢؛ ن أحكام ٢؛ قضاة: ٣؛ حـ أحكام: ٣؛ حم: ٤، ١٩٨، ٢٠٤، ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>