للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الدعوى الأولى التي كان يمثل صداه ويرددها بعض الشيوخ في قوله: "إن الدين في كتاب الله غير الفقه، وإنما الدين هو الشريعة التي أوحى الله بها إلى الأنبياء جميعًا. فقد جاء يقابلها بعد إعلانه هو نفسه: " إن القوانين المنظمة للتعامل والمحققة للعدل والرافعة للحرج هي آراء الفقهاء مستمدة من أصولها الشرعية تختلف باختلاف العصور والاستعدادات، وتبعًا لاختلاف الأمم ومقتضيات الحياة فيها وتبعًا لاختلاف البيئات والظروف". وإن مردها إلى ما أعلن عنه البخاري وأسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)) . ومعناه يبصره بأحكامه ويفهمه مقاصده وعمل الفقهاء الذي يعترف بأهميته وجدواه الشيخ المراغي مستمد كما ذكر في كلامه من الأصول الشرعية. وإذا كانت الأصول الشرعية التي يفيض بها المصدران الأساسيان الكتاب والسنة من الدين فلا وجه لإنكار أن الفقه من الدين. وهو لا ينحصر في العبادات وتلك مزية التشريع الإسلامي، بل "يعم نظرة المعاملات والعقوبات وكل ما يدخل في اختصاص المحاكم والوزارات ومجالس النواب والشيوخ. فهو عبادة وشريعة وتنفيذ ودفاع ... وهذه المزية يصعد بها الإسلام إلى سماء الرجحان بالنسبة إلى سائر الأديان" (١) .

وأما الدعوى الثانية القائمة على التنفير من المذاهب الفقهية والاستهانة بها حرصًا من أصحابها على الاجتهاد وترغيبًا فيه وصرفًا عن التقليد وإبعادًا عنه فلا يبررها قول بعض المتنطعين:

الذين قال الله قال رسوله

والنص والإجماع فادأب فيه

وحذار من نصب الخلاف سفاهة

بين الإله وبين قول فقيه

وإن فيها عودًا على الثروة الفقهية والأنظار الشرعية بالنقض. وهو ما لا يقول به عاقل متدبر. وإنما يردد ذلك الغوغائيون من الذين لا يدركون والذين هم عن الحق محجوبون. والتقليد وإن ذمه الأوائل ففي العقائد لا في الفروع. وإن الاجتهاد ليس بالأمر السهل الذي يقدر عليه حتى من لا يعرف لغة القرآن ووجوه التعبير وأنواع الدلالات وأسباب النزول وملابساته والناسخ والمنسوخ وما ورد في السنة من بيان وتفصيل لأحكامه. كما أن في ترك المذاهب وجمع الناس على مذهب واحد تضييقًا على الناس وتشديدًا عليهم والله سبحانه يقول: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٢) .


(١) صبري: ٤ /٢٩٥.
(٢) سورة الحج: الآية ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>