للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدعوى الثالثة مردودة بإطلاق، فالقوانين الوضعية من صنع الناس للناس والشريعة من صنع الله لعباده، وما كان من الناس لا يخلو من ضعف أو غفلة أو هوى أو تحيز أو مراعاة مصالح بلد دون بلد أو فئة دون أخرى. وهو نتيجة بينة يمليها المجتمع وتتطلبه أوضاعه، والمشرعون منقادون لها متأثرون بها. أما الشريعة فهي عامة شاملة صالحة لكل زمان ومكان خالصة من شوائب النقص مهيمنة على الناس بالحق وهي التي توجه الجماعة. فهي مأمونة ومحررة لإقامة العدل وتحقيق الاستقامة.

وإن الأخذ بهذه الشريعة لهو كما قال علي عبد الرازق: الذي يحفظ على الأمة المسلمة وحدتها الدينية التي كتب الله أن تكون بين المسلمين: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (١) .

ولقد كان الفقه الإسلامي من أكبر العوامل في بناء هذه الوحدة الإسلامية، وكان من أمتن الأسس فيها. فإذا لم يبق لهذا الفقه حياة، وإذا ما ضاره أمره إلى أن يصبح رسومًا وأحاديث فقد أوشك المسلمون يومئذٍ أن يعمهم الله بالفرقة وأن يقطع أمرهم بينهم وأن يتناكروا فلا يعرف بعضهم بعضًا ولا يرجع آخرهم لأولهم ولا يهتدي لاحقهم بسابقهم. ويومئذٍ لا تغني عنهم تلك الدعوة الجوفاء التي يتصايح بها من يزعمون أنهم يدعون إلى الوحدة الإسلامية وهم يسكتون عن هذه المعاول الهدامة التي تنقض على أسس هذه الوحدة وتعمل فيها هدمًا وتخريبًا (٢) .

وإذا أسلم الأصل الذي به يتمسك المسلمون وينادي بالمحافظة عليه علماؤهم ويدعو إلى تيسير أمره قادتهم ومفكروهم فإن أمر الفوضى والاضطراب الذين ضاق بهما الناس في القرنين الماضيين خاصة بسبب الغزو الفكري وإفساد العقيدة والاتجاه ليس أمرًا صحيحًا على الحقيقة لأن لكل منطقة من مناطق البلاد الإسلامية مذهبًا سائدًا وفقهاء عدولًا يقضون به ويلتزمونه، والآن بحمد الله نرى السعي حثيثًا في وضع القوانين والمجلات المستحدثة التي ظهرت في المملكة العربية السعودية ومصر والكويت والأردن مستمدة من التشريع الإسلامي ودواوين الفقه، وقد تكونت لجان لتقنين الشريعة في عدة دول كما قامت المجالس والمجامع بتهيئة ذلك وتيسيره بفضل الجهود العلمية الخيرة والعلم الفقهي المتواصل.


(١) سورة المؤمنون: الآية ٥٢.
(٢) الأهرام: العدد ٢٠٦٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>