للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الاتجاه من الشافعي هو اتجاه العقل العلمي الذي يعنى بالجزئيات والفروع. فكان تفكيره تفكير من لا يهتم بالمسائل الجزئية والتفاريع بل يعني بضبط الاستدلالات التفصيلية بأصول تجمعها. وذلك هو النظر الفلسفي (١) .

ويمضي صاحب هذه المقالة بعد ذلك متنكرًا للتراث الإسلامي الفقهي أغنى التشاريع وأشملها وأدقها وأضبطها على الإطلاق، فلا يذكر أصوله ولا قواعده، ولا نظائره، ولا فروقه ولا أحكامه، ولا مسائله، ولا فلسفته، ولا نظرياته، ولا أسراره، ولا مقاصده. وفي كلمة مرتجلة إن أحسنا به الظن يدعو إلى إلغاء ذلك على نحو ما فعلت المسيحية من جعل اللاهوت مقصورًا على العبادة وعلى ما يتصل بعلاقة المرء بربه. واعتبار الناسوت الشامل لكل أحوال الإنسان في الأرض من معاملات وعلاقات وتصرفات وقضايا وأحكام سياسية مفصولًا عن الأول وغير وارد به الدين. وهو ينسى أو يتناسى في مرة واحدة ما شرع الله في كتابه للناس وما فصله رسوله من أحكام: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (٢) .

ولا أظن أن حملته على الأحكام الشرعية مدنيها وجزائيها تقف بصاحبها المتظاهر بالإسلام مع المسلمين عند الحد الذي وصفنا فيقال إنها فهم وتأويل ونظرة جديدة يجوز مخالفة السابقين بها وتوجيه المسلمين فيها وجهة أخرى لأن من كان هذا شأنه دل على فساد عقيدته وضلاله وكشف عن حقيقة أمره حين حاول سخاء وتفضلًا أن يبطل الحدود ويلغي الجهاد ويغير أحكام الإرث ويرفع عن الناس الصوم وغيره من التكاليف حرصًا منه في زعمه على تحقيق العدل ومسايرة التطور والتقدم كما يوحي بذلك حديثه لنوفال أبسرفاتور (٣) .


(١) مصطفى عبد الرازق، تاريخ الفلسفة الإسلامية: ص٣٣٠.
(٢) سورة المطففين: الآية ١٤.
(٣) نوفال أبسرفاتور، الإسلام بفرنسا عدد: ٧- ١٨ / ٢/ ١٩٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>