للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلافة الإسلامية وتطبيق الأحكام الشرعية:

وقد عد الناس من إنكار الشريعة والفصل بين الدين والسياسة ما هو دون ذلك، وهو ليس أقل منه خطرًا – ما كان من علي عبد الرازق حين زلت به القدم في كتابه "الإسلام وأصول الحكم " فقال: " رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن له حكومة حتى يكون أبو بكر خليفته فيها، وإنما كانت له نبوة لا تقبل الخلافة. وإنما هي رسالة لا حكم ودين لا دولة" (١) . ونسي أن معنى الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ذلك الالتزام بأحكام الشرع الإسلامي ممن يتولى الحكم على المسلمين. وقد تصدى له الفقهاء والمؤرخون والمفكرون جميعًا فردوا عليه أبلغ رد في مشارق الأرض ومغاربها (٢) ، وقد صرَّحَ الماوردي من قَبْلُ في الأحكام السلطانية بأن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم (٣) . وبهذا قال غير واحد من الأشياخ السابقين مثل أبي يعلى وابن حزم وابن تيمية والكمال بن الهمام وابن خلدون وغيرهم (٤) . وقد لاحظنا أن عليًّا عبد الرازق وإن اجتهد بما يخالف آراء عامة المسلمين في قضية الخلافة قد وقف موقفًا مخالفًا في قضية تحكيم الشريعة؛ فحين همت الحكومة المصرية بإعداد مشروعين لتعديل أحكام الأحوال الشخصية في مادتي المواريث والوصية وهما يتجهان إلى خلاف حكم الشرع الإسلامي المعمول به ظهر مشروع علي عبد الرازق ينقضهما على صفحات جريدة الأهرام (٥) . بقوله: " إن هذا الاتجاه دون غيره هو الذي يتفق مع ما تقضي به أصول التشريع العامة من أن القوانين لا ينبغي أن تكون موضعًا للتغيير والتبديل في عجلة وسفه ولا في طفرة ثائرة ... وإنه لم يكد يبقى من الفقه الإسلامي في عامة بلاد المسلمين إلا هذا الجزء الذي يمس الأحوال الشخصية، فأما الأجزاء الأخرى فقد أضاعها أهل الفقه الإسلامي وباعوها طمعًا في جاه أو خوفًا من غير الله وأسلموها لجيش التشريع الحديث والتمدن الحديث فدمرها ذلك الجيش وعفرها في التراب".


(١) صبري: ص٤٠، ٣٦٠. يقول عبد الرازق أيضًا: زعامة النبي عليه السلام كانت كما قلنا زعامة دينية جاءت عن طريق الرسالة لا غير، وقد انتهت الرسالة بموته، فانتهت الزعامة أيضًا، وما كان لأحد أن يخلفه في زعامته كما أنه لم يكن لأحد أن يخلفه في رسالته. الإسلام وأصول الحكم: ص١٨١.
(٢) محمد سلام مدكور، الإباحة عند الأصوليين والفقهاء: ص٣١٨ – ٣١٩؛ مناهج الاجتهاد في الإسلام: ص٤٦٥.
(٣) الماوردي: ص٣.
(٤) انظر الأحكام السلطانية، لأبي يعلى، والعقل في الحكم: ص١٣٥؛ والأهواء والعمل: ص٤، ٨٧؛ والسياسة الشرعية: ص ٦٠ –٧٧؛ والمساير: ص٢، ١٤١؛ والمقدمة: ص١٧٩.
(٥) الأهرام: العدد ٢٠٦٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>