للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ثم عرفت اللائكة باللادينية وتسمت بالعقلانية "أراسيوناليسم" بمقابلة العقل للإيمان كما جنحوا إلى تسميتها في الغرب بالعلمانية والعلموية "سيانتسيم" بمقابلة العلم بالدين.

فالعلمانية في النهاية منهج في الحياة لا يخضع للدين ولكنه يحتكم حرًّا للعقل والعلم. وهي في نظرهم بعد فكري وطريقة محددة لتشكيل مفهوم جديد عن السيادة والمشروعية وممارسة جديدة لهما (١) كما أنهم لديهم ثورة عظمى في تاريخ الفكر الإنساني، والتفاته للذهن للوصول إلى المعرفة، وأمر ثمين ودرس قويم بعيد عن الصراع السياسي البذيء بين اللادينية والأيدولوجيات الدينية (٢) ، وبذلك فهي ترقى بالإنسان إلى قدرة التمييز بين القضاء السياسي والقضاء الديني وهي تستلزم الأخذ بعين الاعتبار فتوحات الفكر العلمي وكذلك تناقل هذا الفكر، فهي ترد الإسلام لا فقط إلى ما قطع عنه من جذوره الفلسفية القديمة بل ترده أيضًا وهو المهم إلى الإنتاج العقلي الذي نشأ في الغرب في العصور الحديثة (٣) ، فتربطه بأصوله الحكمية القديمة وتبعثه نشيطًا قويا مواكبًا للحياة. وهل يعقل أن يحيا الإنسان في هذا العصر العلمي المتطور متأثرًا دائمًا بأسطورة الأديان فيكون في نهاية القرن العشرين راضيا بامتداد سلطان الدين الذي يريد أن يشمل كل مجالات الوجود والمجتمع لضبطها والسيطرة عليها، قابلًا غياب المشروع البديل الذي سيحقق بدون شك وكما هو مشاهد إشباع الحاجات الأساسية للجماهير.

وبهذا يكشفون عن منهجهم ويفسرون خطتهم بقولهم:

لقد غير الفلاسفة فرويد ونيتشه وكارل ماركس في هذا القرن مناهج النظر والتفكير وتقدموا بالعقل البشري مراحل كثيرة وأعطوا للفكر الإنساني استقلاليته الكاملة بالقياس إلى العقل المطلق المتعالي. ومن أجل ذلك فقد آن للفكر العربي المعاصر والفكر الإسلامي بشكل عام أن يعيدا النظر في مفهوم الوعي الميتي مع مقارنته بالوعي التاريخي الواقعي والمستقل. ومن الملاحظ أن مطلبًا كهذا لن يتحقق إلا بالدخول في طفرة أيستيمولوجية وحيوية هائلة وعنيفة سوف تؤدي حتمًا إلى زلزلة الوعي والقيم السائدة بأكملها (٤) ، وربما هون ذلك علينا اعتقادنا أن المحتويات العلمانية التقديرية للفكر الإسلامي ستبقى في غير متناولنا ما دمنا نريد البقاء متشبثين بإسلام لا يعدو أن يكون دينًا يأمر ويسجن كليًّا العالم أجمع (٥) .


(١) محمد بريش. وقفات مع أركون. الهدى: ١٦، ١٧ /١٩٨٧م: ٢٤.
(٢) أركون. محاضرة بالرباط من أجل تحليل للعقل العربي. انظر: محمد بريش. الهدى: ١٥، ١٢ /١٩٨٦: ٥١-٥٤.
(٣) أركون. نوفال أبسرفاتور: ٧ / ٢ /١٩٨٦؛ محمد بريش. الهدى: ١٥، ١٢ /١٩٨٦/ ٥٩، ١٥ /٦٩.
(٤) هاشم صالح. ترجمة مشكلة الأصول، لمحمد أركون. الفكر العربي المعاصر: ١٣ /١٩٨٦: ٢٠.
(٥) أركون. الأمة الإسلامية: ص١٢٠؛ محمد بريش. الهدى: ١٥، ١٢ /١٩٨٦: ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>