للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولتفصيل القول في هذا يعمد إلى قضية تأثر الشريعة الإسلامية بالأعراف المحلية التي وجدتها قائمة في البلاد المفتوحة ويؤكد أن الرجوع في آخر الأمر لم يكن إلى قواعد ثابتة ولكن إلى الرأي الشخصي للقاضي. ويدل على هذا أن ما حصل من اضطراب وتقطع في تطبيق الشريعة هو الذي حمل الشافعي على وضع رسالته والدعوة إلى الأخذ بالأصول الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وقد عرضنا من قبل رأينا في القرآن والحديث، أما الإجماع فأمره غمض لأنه لم يحدد كما أنه نادرًا ما يتحقق وإن اعتمد في بعض المسائل الكبرى، والقياس كما رأينا حيلة جلب بها القانون الوضعي المخترع بالتعظيم والتقديس (١) .

ويمضي بعد هذه المقارنة يقول: ومن العجب أن تظل ملايين من البشر مقتنعة بأن الشريعة ذات الخطر الكبير على حياة الناس والتي يراد تحكيمها في كل شؤون المسلمين في عامة تصرفاتهم وحتى في تفكيرهم هي من الله. ولا نجد مبررًا لهذا الوهم المستولي على عقولهم إلا من حيث أن موقفهم هذا يمثل نوعًا من التقليد التعبدي السكولاستيكي الذي رسخ في الأذهان عن طريق التعليم والتلقين، والذي سبب الخلط فيه بين الزمني والروحي يرجع إلى خلطهم بين القانوني والشرعي حيث استعملت الكلمة الثانية بقدر مشترك بين الموضوعين. وإنَّ السبيل الوحيد لتصحيح ذلك وتغيير الوهم السائد يكون باعتماد المنهج التاريخي النقدي المنهج التفكيكي التحليلي العلمي المحرر الذي ما يزال لسوء الحظ يلاقي صعوبات أكثر من هائلة.

وهنا يأتي الإمعان في الدعوة إلى ضرورة علمنة الإسلام والإخافة من مظاهر الصحوة في العالم بقوله: "مقابل المتمسكين بالدين والمنغمسين فيه والعائدين إليه بأعداد كبيرة طائفة من المثقفين كانوا بالأمس يدعون للعلمانية ويحثون على اختيار المادية التاريخية كمنهج فكري ثوري يتيح للشعوب العربية التخلص من ظلمات الجهل التي ساهمت في صنعها العقائد الدينية" (٢) ، ويقاسمه بعض العلمانيين تخوفه حين يحذر أصحاب المسار اليساري بقوله: "إن الإسلام كان ولا يزال مركز الشرعية الأول والأخير بالنسبة للأغلبية الساحقة من الجماهير العربية التي تتعامل معها، ويدعو هذا بدون شك إلى مضاعفة الجهود تخطيطًا وتطبيقًا لنشر العلمنة وإقناع الناس بها" (٣) .


(١) محمد أركون. تاريخية الفكر الإسلامي: ص٢٩٧، ٢٩٨.
(٢) محمد بريش. وقفات مع أركون. الهدى: ٦٣-١-٢ /١٩٨٦: ٢٩.
(٣) محمد بريش. وقفات مع أركون. الهدى: ٦٣-١-٢ /١٩٨٦: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>