للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحوة الإسلامية:

مما قدمنا يتجلى التقابل بين الاتجاه الإلحادي والتجديدي واليساري وبين الاتجاه الإسلامي الشامل بجميع صنوفه وأشكاله ومراتبه في ساحة واسعة غير مقصورة على البلاد العربية، ولكنها تتسع لتمتد فتشمل البلاد الإسلامية ومن ورائها وكور ومراكز الدعوات المناوئة للمسلمين كأمه وللإسلام كدين ولحركات المعارضة لها والقائمة في وجهها في كل مكان من أجل حماية العقيدة ورد العدوان. إنها مسابقة ومناظرة بل نقائض وملاحم وحرب مقنعة وجهاد.

تلك ترفض الإسلام كدين أو تقبله، ولكن كفكر حضاري تتمسك به إلى حين ما دام يحقق لها مصلحة، فإذا وجدت المصلحة في غيره نبذته وولت وجهها عنه، وهذه تؤمن به كعقيدة مقدسة جاء بها الرسول الخاتم وبيَّنها لها بالقول والعمل والدعوة إلى الحق والهداية إلى الخير فهي تتمسك به كمنهج وتؤثره على كل شيء ولا تبحث عن شيء وراءه.

تلك لا ترتبط بقومية ولا تلتزم بدين ولا عقيدة. وهي حين تصرح بأن ظروفًا قضت عليها بالتحرك في دائرة الانتماء العربي الإسلامي تعلن عن وجوب تجاوز النرجسية والمركزية العريقة والقومية من جهة، وأنها لا تعتبر العروبة غاية قصوى لمصيرها ولا قيمة في حد ذاتها، ومن جهة أخرى ترفض أن يكون الإسلام الأس الوحيد للأخلاق والمجتمع والمحرك الأساسي الفعلي للعبة الاجتماعية فارضًا قواعده المدنية ومايرتبط بها من فروض في العادات والتقاليد (١) .

وهذه تصر على أن النظام الإسلامي هو النظام الديني الإلهي الذي يجب على كل مسلم أن يمارس الحياة على أساسه وألا يستبدل به غيره مهما تكن الظروف والمناسبات من حيث إنه النظام العام الدائم الصالح لكل زمان ولكل مكان.

وحين تذكر الأولى بما حققه العلم من إنجازات والتطور الفكري والحضاري القائم على العلمانية من رقي وازدهار وتقدم ومدنية تكشف الثانية عن حقيقة هذه الحضارة العلمية، وهي وإن سلمت بجدواها واعترفت بما قدمته للإنسانية من ثروات هائلة وخدمات عظيمة غير أنها تؤمن بأنها بفقدانها للجانب الروحي الضروري والمهم لم تستطع أن تحقق الأمن والطمأنينة للبشر الذي يمرغ في أوحال المادية ويزداد مع الأيام قلقًا وشقاء وخوفًا ويأسًا مع ما هو ملحوظ للعيان ومشاهد في أطراف العالم وبخاصة في البلاد الإسلامية من ضروب الفشل في مختلف المجالات الروحية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية.


(١) هشام جعيط. الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي: ص١٠٢، ١٠٣؛ محمد بريش. الهدى: ١٣، ١-٢ /١٩٨٦: ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>