للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ثم جاءت حركة رد الفعل الطبيعية التي حمل عليها استشراء الفساد والجور واختلال التوازن وفقدان الأمل في الغد المرتقب، وقام الدعاة المسلمون بما فرضه عليهم دينهم وناداهم به قرآنهم في قوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (١) .

وهكذا بدأت الصحوة كما يسميها المسلمون مشرقًا ومغربًا ويسميها خصومها فتنة وثورة وهي في واقع الأمر عنوان على اليقظة بعد السبات وعلى الانتباه بعد الغفلة وعلى الاهتداء إلى الأسس المقومة للأمة والقيم والمبادئ التي يتميز بها الإسلام بعد طول نسيان أو تجاهل بفعل التبعية البغيضة بجميع أشكالها للدول الاستعمارية وسلطان الغزو الفكري المادي على عامة أفراد الأمة.

ولا بدع أن يغيظ انبلاج الصحوة الغرب المتحيز للائكية فيرمي دعاتها والمسلمين عامة بالتخلف والرجعية، فإن الغربيين من مسيحيين وغيرهم لم يفهموا لهذه الحركة معنى ولم يدركوا أبعادها بسبب ما يملأ حسهم الباطني الجماعي من أخيلة وتصورات غير صحيحة عن الدين الإسلامي، وبسبب انزعاجهم أكثر بالتحرر والثقافي الذي يواجهونه في أكثر البلاد التي كانت بالأمس محتلة من طرفهم فكانوا لها سادة وكان أهلوها لهم تبعًا (٢) .

وسار الدعاة المجددون لأمر هذا الدين يخوضون غمار معركة الإصلاح ببث الوعي الديني، وظهرت آثار ذلك في مختلف الطبقات الشعبية، ولما استشعر خصومهم تجدد قوتهم واجتماع الناس من حولهم وعمر الشباب المساجد وحلقوا حول المرشدين والأساتذة يفسرون لهم القرآن ويعلمونهم الحكمة ويزكونهم نعتوهم بكل الصفات وضيقوا عليهم وصدوهم كلما استطاعوا عن مباشرة وظيفتهم الدينية الخيرة، ولربما ألحقوا بهم أنواعًا من الأذى والعذاب والتنكيل إخفاتًا لأصواتهم وإرهابًا لهم. وتواصل الحذر وازدادت الخشية من الجماعة الإسلامية وحصل التطرف، فذهب أحد العلمانيين إلى الدعوة إلى إخلاء المساجد لكونها وكر التجمعات الإسلامية ومركز نشر الدعوة، ولكون الدين لا يقتضي بالضرورة التحول إلى المساجد فيقول: إن مسألة الإسلام تستوجب أن يعاد التفكير فيها كليًا خلافًا لما يحاول التاريخ الراهن والمتعصبون الذين تكلمت عنهم إثباته، الإسلام يفترض وجود علاقة شخصية مع الدين، ليس من الضروري دومًا أن يحتشد الناس جماعات في مسجد لإقامة الصلاة، إن الصلاة مسألة شخصية في الإسلام كما في الديانات التوحيدية الأخرى، وكل الداء يأتي من الخلط الذي وقع لأسباب تاريخية بين الاستعمال السياسي للدين والقضاء الشخصي للمتدين (٣) .


(١) سورة آل عمران: الآية ١٠٤.
(٢) ميشال لالون:١٧.
(٣) حوار مع أركون لنوفال أبسرفاتور ١١٠٩. ٧ /٢ /١٩٨٦؛ محمد بريش. الهدى: ١٥ /٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>