للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسخرت كل الوسائل لمنع مثل هذه الاجتماعات والدروس، وواصل الطرف الثاني عمله بالإمعان في القيام بتظاهراته والاجتماع بالناس في عدة أماكن أخرى، وحصلت الاصطدامات القمعية والدموية وواجهت الصحوة التطورات بما يناسبها وتعددت واختلفت هيآتها ووسمت كلها، بل الإسلام نفسه بالعنف حتى قال كلود ليفي ستراوس رائد الأنتولوجيا البنيوية المضادة للعنصرية والاستعمار في الستينات أنه خائف من الإسلام (١) . وصرح آخر في حوار أجري معه: أن الأحداث الجارية في البلدان الإسلامية والعربية وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط تفرض فكرة أن الإسلام عنيف ويحاولون تفسير ذلك عن طريق العودة إلى الوراء نحو أصول الإسلام، ويحتجون بأن النبي محمدًا نفسه قاد الحروب، واعتمادًا على ذلك يقولون إن الإسلام دين استخدم العنف منذ البداية، وبالتالي فإن المسلمين يعيدون إنتاج موقف قديم يتخذ شكل المثال والقدوة من موقف النبي نفسه (٢) .

ونحن لا يعنينا هنا تقديم المواقف أو نقدها ويكفينا أن نشير إلى أن الحرب المقنعة ضد الإسلام مستمرة على كل حال وفي أي وقت عند ضعف المسلمين وهوانهم وتبعيتهم للدول المتحكمة في مصائرهم أو بعد تحررهم وحصولهم على استقلالهم ومحاولتهم التجديد لكيانهم وتحقيق المناعة لجماعاتهم.

الدعوة من أجل تجديد الذات:

إن ما غال المسلمين من فتن وعرض لهم من نكبات، ولحقهم من هوان على الناس وعلى أنفسهم، وما انتشر بينهم من فساد وسوء وشر، كان كله بسبب بعدهم عن دينهم، وإعراضهم عن هديه، واستهتارهم بمقاصده، وتجنبهم للالتزام بأحكامه {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (٣) .

وقد دعت الضرورة المسلمين إلى مراجعة النفس ومحاسبتها ونقدها ومراقبتها وبيان طرق الخلاص والعزة لاستعادة الأمجاد واسترجاع السيادة والريادة والوفاء بأمانة التبليغ للهدي الإسلامي ونشر دين الله في العالمين، فتتم بذلك النعمة على الناس وينتشر الأمن والسلام بينهم وتتحقق لهم السعادة في هذه الدار وفي الدار الآخرة. وإن في هذا ما يغني عن الأخذ بالمذاهب الفكرية والفلسفية والاقتصادية والسياسية من مثل العالمية والقومية والاشتراكية والرأسمالية والبلشفية. فإن تلك الاتجاهات التي جربها الناس وأقاموا عليها أسس أنظمتهم ومعاملاتهم قد صدع القرآن من قبل بأكمل ما فيها من إيجابيات وصرف عما تضمنته من سلبيات ودعا إلى المنهج الأقوم.


(١) حوار مع أركون من أجل مقاربة نقدية للواقع أجراه هاشم صالح. المستقبل العربي. ١٠١ –٧ /١٩٨٧: ١٠.
(٢) حوار مع أركون من أجل مقاربة نقدية للواقع أجراه هاشم صالح. المستقبل العربي. ١٠١ –٧ /١٩٨٧: ٥.
(٣) سورة الأنفال: الآية ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>