للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسير الفقهاء لحديث البيعتين في بيعة:

بعد أن ذكرنا تفسير بعض شراح الحديث لمعنى بيعتين في بيعة، يجدر بنا أن نقف على وجهة نظر فقهائنا الأقدمين – رحمهم الله تعالى – في معنى الرواية مدار الكلام، وفيما إذا كانت تنطبق على مسألة البيع بالتقسيط. فأقول: " اتفق الفقهاء على تفسير هذا البيع الوارد في الحديث بما فسره بعض شراح الحديث، من أن صورته أن يقول البائع للطرف المقابل: أبيعك هذه السلعة بالثمن الحالّ بكذا أو بالنسيئة بكذا، جاء ذلك في العديد من كتب الفقه فقد ذكر الكاساني الحنفي من جملة البيوع الفاسدة ما إذا قال بعتك هذه الدابة بمائة درهم إلى سنة وبمائة وخمسين إلى سنتين، وذلك للجهالة في الثمن، وقيل هو الشرطان في بيع (١) . وإلى هذا المعنى ذهب الشيخ الدردير المالكي ذكر ذلك عند كلامه عن البيوع الفاسدة حيث قال: وكبيعتين في بيعة، أي عقد واحد، وذلك بأن يبيع السلعة بإلزام بعشرة نقدًا أو أكثر لأجل، ويأخذها المشتري على السكوت ولم يعين أحد الأمرين ويختار بعد ذلك الشراء بعشرة نقدًا أو بأكثر لأجل، وإنما منع للجهل بالثمن حال البيع (٢)

وبهذا المعنى فسرها الخطيب الشربيني الشافعي، فقد عد من البيوع المنهي عنها، بيعتين في بيعة، ومثل لها بما لو قال: بعتك هذا بألف نقدًا أو ألفين إلى سنة، وخير البائع المشتري، فهذا باطل للجهالة (٣)

وحكى ابن قدامة الحنبلي مثل ذلك عن الحنابلة أيضًا، فقد ذكر في تفسير بيعتين في بيعة، وجهين، أحدهما، أن يقول الرجل لصاحبه: بعتك هذا الشيء بعشرة نقدًا أو بخمسة عشر نسيئة أو بعشرة مكسرة أو تسعة صحاحًا، ومثل هذا البيع باطل، لجهالة الثمن.

والوجه الآخر لصورة هذا البيع، أن يقول: بعتك هذه السلعة بكذا بشرط أن آخذ منك الثمن دنانير سعرها كذا أقل من سعرها الحقيقي، أو باعه بذهب على أن يأخذ عوضها دراهم بصرف يتفقان عليه في هذا العقد (٤) .

وحكى ابن قدامة عن الثوري وإسحاق تفسير البيع المنهي عنه مدار البحث تفسيرًا مشابهًا لما ذكره أولًا (٥)

وبهذا المعنى أيضًا فسره الظاهرية (٦) . والإمامية (٧) . والإباضية (٨) والزيدية (٩) .


(١) انظر بدائع الصنائع: ٦/٣٠٤١، وفتح القدير لابن الهمام المطبوع مع الهداية: ٥/٨٤
(٢) انظر الشرح الكبير: ٣/٥٨، وكذا حاشية الدسوقي على الشرح المذكور بنفس الموضع أيضًا.
(٣) مغني المحتاج: ٢/٣١، وانظر الروضة: ٣/٣٩٧
(٤) انظر المغني: ٤/١٧٧
(٥) المصدر السابق أيضًا.
(٦) المحلى لابن حزم الظاهري: ٩/٦٢٧
(٧) المختصر النافع لأبي القاسم جعفر بن الحسن الحلي: ص١٤٦
(٨) شرح النيل وشفاء العليل: ٨/١٢٨
(٩) البخر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار: ٤/٢٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>