للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علة النهي عن هذا البيع:

مما مضى يتبين لنا أن الفقهاء متفقون على أن علة النهي عن بيعتين في بيعة هو:

(أ) الجهالة بالثمن، وهذا يتحقق فيما إذا افترق المتعاقدان دون أن يحدد أحد البيعتين وثمن المبيع المتعاقد عليه، فأشبه في هذه الناحية البيع بالرقم المجهول.

(ب) عدم الجزم في بيع واحد، فأشبه ما لو قال: بعتك هذا أو هذا.

(ج) (ولأن أحد العوضين غير معين ولا معلوم فلم يصح (١) . وصار بمثابة ما لو قال: بعتك أحد داري هاتين.

حكم البيع بهذه الصورة:

لقد تبين لنا من خلال تفسير الفقهاء لحديث بيعتين في بيعة – المنهي عنها – بطلان البيع بالصيغة المذكورة، أعني بها صورة عدم الجزم ببيع معين، وينفض المجلس دون أن يحدد المتعاقدان نوعًا معينًا منه.

وقد حكى ابن قدامة وغيره من الفقهاء اتفاق وجهة نظر الجمهور هذه، حيث قال من قال لغيره، بعتك هذا الثوب بعشرة نقدًا أو بخمسة عشر نسيئة، فالبيع باطل وهو قول الجمهور (٢) وقد روي عن طاوس والحكم وحماد من فقهاء السلف أنهم أجازوا مثل هذه الصورة من البيع. إلا أن ابن قدامة نفسه وجه قولهم هذا بأنه يحمل على أنه قد جرى بين المتعاقدين ما يجري في العقد، فكأن المشتري قال: أنا آخذه بالنسيئة بكذا، فقال خذه أو قد رضيت ونحو ذلك، فيكون عقدًا كافيًا، أما إذا لم يصدر من المشتري ما يقوم مقام الإيجاب صراحة أو دلالة، فلا يصح العقد عندئذ، لأن ما مضى من القول لا يصلح أن يكون إيجابًا (٣)

وذهب الإباضية في رأي لهم إلى جواز ذلك أيضًا، فقد ذكر صاحب شرح النيل أن المختار منع البيع في الصورة مدار الكلام، وهو قول أبي الحسن، لأنه لم يقع عن ثمن معين ولا على أجل مقطوع به أو نقد أو عاجل مقطوع به، ثم أضاف قائلًا: وجوز البيع في هذه الصورة وفي غيرها من الصور الأخرى المشابهة لها مثل الجمع في عقد واحد بين شرط وبيع، واختار ذلك صاحب المنهاج (٤)

وما ذهب إليه الجمهور هو المختار لما ذكروه من تدليل.


(١) ابن قدامة في المغني: ٤/١٧٧
(٢) المغني: ٤/١٧٧، وانظر الكاساني في البدائع: ٦ / ٣٠٤١، روضة الطالبين: ٣/٣٩٧، الشرح الكبير: ٣/٥٨، الروض النضير: ٣/٤٨٤.
(٣) انظر المغني في المرجع والموضع السابقين
(٤) انظر: ٨/١٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>