للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الزيادة في الثمن نظير الأجل:

ذكرنا قبل قليل رأي الفقهاء في مسألة بيعتين في بيعة الوارد النهي عنها في الحديث النبوي الشريف، ووقفنا على تفسير المحدثين والفقهاء لهذا البيع، ونريد أن نتعرف على رأيهم هنا في مسألة الزيادة في ثمن السلعة نظير تأخير الدين، وهي مسألة البيع بالتقسيط مدار البحث، وفي هذه الحالة نستبعد الصورة الأولى للبيع، وهي صورة التردد وعدم الجزم لإحدى البيعتين، حيث سنوضح هنا موقفهم فيما لو انصرفت إرادة المتعاقدين إلى بيع معين مما ورد في الإيجاب وقد اتفق على الزيادة لقاء تأخير الثمن سواء اتفق على دفعه مرة واحدة في المستقبل أو على دفعات، وقد تم ذلك بقبول الموجه إليه العرض إحدى الصفقتين، فيكون هذا بمثابة الإيجاب من المشتري، فإذا حصل القبول من البائع، هل يتم العقد عندئذ؟ وهل يصح الاعتياض عن الأجل بالمال؟

أقول: للفقهاء رأيان في هذه المسألة:

١- ذهب أصحاب الرأي الأول إلى القول: إن الزيادة في الثمن نظير الأجل، كالزيادة في الدين نظير الأجل، فكما أن الزيادة الأخيرة تعتبر ربا، كذلك الأولى.

هذه وجهة نظر زين العابدين علي بن الحسين والناصر والمنصور بالله والهادوية والإمام يحيى (١) وبهذا قال أبو بكر الجصاص من الحنفية أيضًا (٢)

وقد استدل أصحاب هذا الرأي بأدلة من الكتاب والسنة والقياس والمعقول.

(أ) فمن الكتاب عموم قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [سورة البقرة: الآية ٢٧٥] فالآية أفادت تحريم البيوع التي يؤخذ فيها زيادة مقابل الأجل لدخولها في عموم كلمة الربا، وهي تقيد الإباحة في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [سورة النساء: الآية ٢٩] .

فإن كل العقود الربوية مقيدة لهذه الإباحة.

وأضاف أصحاب هذا الرأي قائلين: لو قيل إن البيوع بأثمان مؤجلة داخلة في معنى قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، إذ هي بيع.

فالجواب على هذا: أنها تحتمل الاثنين، فكما أنها تحتمل أن تكون داخلة في عموم البيع، تحتمل أيضًا أن تكون داخلة في عموم الربا، وعند الاحتمال من غير ترجيح يقدم احتمال الحظر على احتمال الإباحة، وخصوصًا أن إحلال البيع ليس على عمومه، بل خرجت منه البيع الربوية، والبيع محل النزاع منها (٣)

(ب) واستدلوا بالروايات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في نهيه عن بيعتين في بيعة والتي فصلنا الكلام فيها مسبقًا.


(١) نيل الأوطار للشوكاني: ٥/٢٥٠
(٢) أحكام القرآن: ٢/١٨٦، وقد نص الجصاص فيه على ما يلي: " ولا خلاف أنه لو كان عليه ألف درهم حالّة فقال له: أجلني وأزيدك فيها مائة درهم لا يجوز، لأن المائة عوض من الأجل كذلك الحط في معنى الزيادة إذ جعله عوضًا من الأجل، وهذا هو الأصل في امتناع جواز أخذ الأبدال عن الآجال ".
(٣) الإمام زيد للأستاذ محمد أبو زهرة: ص ٢٩٠، حكم بيع التقسيط للدكتور محمد عقلة الإبراهيم ص ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>