للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما ذهب إليه المالكية، جاء في الشرح الكبير بعد ذكره لصورة البيعتين في بيعة وفسادها عند أخذ المشتري السلعة دون أن يعين إحدى البيعتين ويختار ذلك بعد انفضاض المجلس، قال الشيخ الدردير بعد هذا: فإن وقع العقد لا على الإلزام، بل أعطي الخيار للمشتري، وقال: اشتريت بكذا، فلا منع (١) . وقد عقب الشيخ العدوي على ما قاله الخرشي ببطلان البيع على وجه يتردد النظر فيه في مسألة بيعتين في بيعة، قال " احترز بذلك عن أن يقول البائع ذلك ويقول المشتري: اشتريت بكذا فإنه لا منع حينئذ. (٢) . وهذا ما ذهب إليه الحنفية، فقد ذكر الكاساني أن العلة في تحريم بيعتين في بيعة، هي الجهالة في الثمن، فإذا علم ورضي به جاز البيع، لأن سبب الفساد قد زال في المجلس وله حكم حالة العقد، فأصبح كأنه معلوم عند العقد (٣) وبجواز البيع في هذه الحالة قال الشافعية أيضًا،: نص على ذلك النووي في الروضة حيث قال: " لو قال: بعتك بألف نقدًا وبألفين نسيئة أو قال بعتك نصفه بألف ونصفه بألفين، فيصح العقد " (٤) .

معنى هذا، أن المشتري رضي بإحدى صورتي البيع في المجلس، وانفض المجلس عن تراضٍ من المتعاقدين على نوع معين من البيع. وهذا ما صرح به الحنابلة في كتبهم، فقد نص الشيخ ابن النجار على ما يلي: " ولا بعشرة نقدًا أو عشرين نسيئة، إلا إن تفرقا فيهما على أحدهما " (٥) .

وفي فتوى لابن تيمية – رحمه الله تعالى – أنه سئل عن رجل عنده فرس شراه بمائة وثمانين درهمًا، فطلبه منه إنسان بثلاثمائة درهم إلى مدة ثلاثة شهور، فهل يحل ذلك؟ فأجاب: " الحمد لله، إن كان الذي يشتريه لينتفع به أو يتجر به، فلا بأس في بيعه إلى أجل، لكن المحتاج لا يربح عليه الربح المعتاد، لا يزيد عليه لأجل الضرورة وأما إذا كان محتاجًا إلى دراهم، فاشتراه ليبيعه في الحال ويأخذ ثمنه، فهذا مكروه في أظهر قولي العلماء" (٦)


(١) انظر: ٣/٥٨
(٢) انظر حاشية الشيخ العدوي على شرح الخرشي لمختصر سيدي خليل: ٥/٧٣
(٣) انظر البدائع: ٦/٣٠٤٢.
(٤) انظر: ٣/٣٩٦
(٥) انظر منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات: ١/٣٤٦
(٦) انظر مجموعة فتاوى ابن تيمية: ٢٩/٥٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>