للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا أجاز الإمامية الزيادة في ثمن العرض مقابل تأجيل دفعه بشرط أن يكون الأجل محددًا، ذكر ذلك صاحب المراسم بقوله: " وما علق بأجلين، وهو أن يقول بعتك هذه السلعة إلى عشرة أيام بدرهم وإلى شهرين بدرهمين، باطل لا ينعقد، وما علق بأجل واحد صحيح، ويلزم الشرط الذي يشترط المتبايعان في النسيئة، حتى لا يكون ضمان المال مدة الأجل على المبتاع " (١) وهذه وجهة نظر الزيدية أيضًا، فقد حكى صاحب الروض النضير عن الإمام زيد، أن بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء جائز، بدليل أنه قد أثبت للمشتري الآخر الخيار في المرابحة فيمات لو اشترى رجل سلعة إلى أجل ثم باعها مرابحة، والمشتري لا يعلم أنه اشتراها إلى أجل ثم علم بعد ذلك، فله في هذه الحالة الخيار إن شاء أخذ وإن شاء رد، إذ لولا زيادة الثمن في شراء الأجل، لم يظهر لإثبات الخيار وجه (٢)

وقد أكد صاحب الروضة الندية ذلك حيث قال: " إن بيع الشيء بأكثر من سعر يومه مؤجلًا ليس من الربا في ورد ولا صدر (لأن الربا زيادة أحد المتساويين على الآخر ولا تساوي بين الشيء وثمنه مع اختلاف جنسهما فلا يصح أن يكون تحريم هذه الصورة لكونها ربا " (٣)

وبخصوص مسألة البيع بالتقسيط قال: لو تعاقد المتبايعان على أحد الأمرين – النقد أو النسيئة – في المجلس فهو صحيح لا خلاف فيه (٤) . وهذه وجهة نظر الإباضية أيضًا، جاء في شرح النيل ما نصه: " وإن قطع المشتري للبائع بواحد مما ردد فيه البائع في حينه جاز " (٥)

وقد دلل هؤلاء الفقهاء – رحمهم الله تعالى – على وجهة نظرهم هذه بما يلي:

١-إن صورة البيع مدار البحث داخلة في عموم كثير من الآيات الطريقة التي تقضي بجواز هذه البيوع، منها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . وهو نص عام يدل على جواز البيوع بأجمعها إلا التي ورد النص بتحريمها، فإنها تصبح حرامًا بالنص مستثناة من العموم، ولم يرد نص يقضي بتحريم جعل ثمنين للسلعة ثمن معجل وثمن مؤجل، فيكون حلالًا أخذًا من عموم الآية (٦) .

ومنها قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . وإن من أعمال التجارة البيع بالنسيئة، ولا بد من أن تكون له ثمرة، وتلك الثمرة داخلة في باب التجارة، وليست داخلة في باب الربا، والرضا ثابت، لأن البيع بالمؤجل طريق من طرق ترويج التجارة، فهو إجابة لرغبة وليس اضطرارًا، إذ قصد البائع من هذه الزيادة تلافي ما قد يصيب الدين من آفات، كما أن المشتري قد تسلم العين دون أن يدفع ثمنًا مقابلها في الحال، فهو قد تسلم عينًا مغلة منتفعًا بها وهي موضع اتجار، فما يأخذه البائع من زيادة في الثمن بسبب التأجيل، إنما يأخذ ثمن غلة (٧)


(١) انظر: ص ١٧٤، والمراسم تأليف حمزة بن عبد العزيز الديليمي
(٢) انظر: ٣/٥٢٥
(٣) انظر: ٢/١٠١
(٤) انظر: ٢/١٠١
(٥) انظر: ٨/١٢٩
(٦) الشوكاني في نيل الأوطار: ٥/١٧٣، الدكتور محمد عقلة في بحثه حكم البيع بالتقسيط ص ١٧٣
(٧) الأستاذ عقلة في بحثه السابق أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>