للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- واستدلوا ببعض الأحاديث والآثار المروية التي دلت على جواز جعل المدة عوضًا عن المال، وأن الزيادة في الثمن المؤجل جائزة، منها:

(أ) ما روي ((أن رسول الله صلى الله علية وسلم أمر عبد الله بن عمرو بن العاص أن يجهز جيشًا فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل)) (١) ، والدليل واضح هنا على جواز أخذ زيادة على الثمن نظير الأجل.

(ب) لقد سوغ الشارع صلى الله عليه وسلم جعل المدة عوضًا عن المال وذلك فيما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ((لما أمر بإخراج بني النضير جاء ناس منهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا: يا نبي الله إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل فقال عليه الصلاة والسلام: (ضعوا وتعجلوا)) (٢)

يقول السيّاغي بعد ذكره لهذه الرواية: " لما كان الوضع لأجل التعجيل ثبت أنه في مقابل عدم استيفاء مدة الأجل، فيكون تأخير الأجل في مقابل الزيادة في المال مثله سواء لا بأس به " (٣)

٣-واستدل الجمهور بالمعقول أيضًا، حيث قالوا: إن الأصل في الأشياء والعقود والشروط الإباحة متى ما تمت برضا المتعاقدين الجائزي التصرف فيما تبايعا، وإلا ما ورد عن الشرع ما يبطله، ولما لم يرد دليل قطعي على تحريم البيع بالتقسيط، فيبقى على الأصل وهو الإباحة، ومن ادعى الحظر فعليه الدليل. بل قد ورد العكس من ذلك، فقد نص الشارع على الوفاء بالعهود والشروط والمواثيق، وإذا كان جنس الوفاء ورعاية العهد مأمورًا به، علم أن الأصل صحة العقود والشروط، إذ لا معنى للصحيح إلا ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده، ومقصود العقد هو الوفاء به، فإذا كان الشارع قد أمر بمقصود العقود، دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة (٤)

٤- ومن استدلالهم بالمعقول أيضًا، أن الزيادة لا تتعين عوضًا عن الزمان، بدليل أن بعض الناس قد يبيع سلعته بالأجل بأقل مما اشتراها به لقلة الطلب على البضاعة وللخوف من كسادها ورخصها، بل قد يضطر لبيعها أحيانًا بأقل من قيمتها الحقيقية بالآجل أو بالعاجل، فعلى هذا لا تتعين الزيادة للزمان، بل الزيادة في أكثر الأحيان غير متعنية (٥)

٥- وفوق ذلك أن العقود في الشريعة الإسلامية ينظر إليها غير موازنة بغيرها، فالعقد مع تأجيل الثمن عقد قائم بذاته ينظر إليه من حيث سلامة العقد وليس فيه أي شائبة للربا من غير نظر إلى غيره من العقود الأخرى.

وهذه النظرة تجعل العقد صحيحًا بذاته، وكون البيع معجلًا بعقد آخر بثمن أقل لا يؤثر في العقد الأول، لأنها عقدان متغايران يتميز كل واحد منهما عن صاحبه (٦)


(١) رواه أحمد وأبو داود والدارقطني.
(٢) رواه الحاكم في المستدرك وابن ماجه. انظر الروض النضير: ٣/٥٢٧
(٣) الروض النضير: ٣/٥٢٧
(٤) مجموعة فتاوى ابن تيمية: ٢٩/ ١٢٦
(٥) الأستاذ أبو زهرة في مؤلفه الإمام زيد: ص ٢٩١
(٦) المصدر السابق أيضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>