للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣-أما الاحتجاج بقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} ، فيجاب عليه: أن الرضا في البيع مدار البحث أمر لا ينكر (وهو باعث عليه وبمثله لا يصير البائع مكرها وإلا لزم مثله في كل بيع وشراء) ، إذ لابد من حامل له كحاجة المشتري إلى المبيع والبائع إلى الثمن والفرق بين الباعث والمكره , أن الأول أمر متعلق بما يوجبه العقد من آثاره ,والثاني أمر متعلق بالعقد فقط إذ الإكراه إنما يتحقق على العقد , والإكراه معارض للباعث. فمتى غلبه صار مغيِّرا للاختيار فيكون البيع لا عن فلا حكم له (١) .

٤- وأما استدلالهم بحديث النهي عن صفقتين في صفقة وتفسير سماك له بما يفيد منعه، فيجاب عنه: أن هذا الحديث يحتمل أكثر من تفسير، فكما يحتمل أن يكون المراد به أبيعك هذه السلعة بألف نقدًا، وبألفين نسيئة، يحتمل أن يراد به بعتك هذه الدابة على أن تبيعني عربتك بكذا مثلا أو أن يسلف دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حلّ الأجل وطالبه بالحنطة قال بعني القفيز الذي لك عليّ إلى شهرين بقفيزين فصار بيعتين في بيعة، واحتمال الحديث لتفسير خارج عن محل النزاع يقدم في الاستدلال به على المتنازع فيه.

على أن غاية ما في الحديث من دلالة هو المنع من البيع إذا وقع على صورة أبيعك نقدًا بكذا ونسيئة بكذا، لا إذا تم البيع نسيئة من أول العقد وكان أكثر من سعر يومه، مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة ولا يدل الحديث على ذلك، فالدليل أخص من الدعوى.

ومن جهة أخرى، فالنهي في الحديث محلّه فيما إذا قبل المشتري على الإبهام دون أن يعين أحد الثمنين، أما لو قال قبلت بألف نقدًا أو بألفين نسيئة صح ذلك (٢) .

أما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم ((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)) . وأنه يفيد أن من باع بثمن مؤجل أكثر من الثمن الحالّ فعليه أن يأخذ بالأقل منهما، وإلا دخل في الربا المحرم، فجوابه: أن في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد، والمشهور عنه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة (٣)

ومن جهة أخرى، فإن ابن القيم قد فسر الحديث بأن يبيع الرجل السلعة بمائة مؤجلة ثم يشتريها منه بمائتين حالّة، فإن أخذ بالثمن الزائد أخذ بالربا، وإن أخذ بالناقص أخذ بأوكسهما وهو من أعظم الذرائع إلى الربا. وأنه لا يعني النهي عن البيع بخمسين حالّة أو بمائة مؤجلة، فهي ليست قمارًا ولا جهالة ولا غررًا ولا شيئًا من المفاسد، فإن خُيِّر المشتري بين أي الثمنين شاء، وليس هذا بأبعد من تخييره بعد البيع بين الأخذ والإمضاء ثلاثة أيام (٤)


(١) المصدر السابق أيضًا
(٢) الشوكاني في نيل الأوطار: ٥/٢٤٩
(٣) انظر المصدر السابق أيضًا
(٤) أعلام الموقعين: ٢/١٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>