تفسير الفقهاء لحديث البيعتين في بيعته:
اتفق الفقهاء على تفسير هذا البيع الوارد في الحديث بما فسره بعض شراح الحديث، من أن صورته أن يقول البائع للطرف المقابل: أبيعك هذه السلعة بالثمن الحالّ بكذا وبالنسيئة بكذا. وعلّة النهي عن هذا البيع: هي:
(أ) الجهالة بالثمن، وهذا يتحقق فيما إذا افترق المتعاقدان دون أن يحدد أحد البيعتين وثمن المبيع المتعاقد عليه، فأشبه من هذه الناحية البيع بالرقم المجهول.
(ب) عدم الجزم في بيع واحد، فأشبه ما لو قال: بعتك هذا أو هذا.
(ج) ولأن أحد العوضين غير معين ولا معلوم.
وحكم البيع بالصيغة المذكورة، البطلان، أعني بها صورة عدم الجزم ببيع معين وينفض المجلس دون أن يحدد المتعاقدان نوعًا معينًا من البيع.
حكم الزيادة في الثمن نظير الأجل
لو انصرفت إرادة المتعاقدين إلى بيع معين مما ورد في الإيجاب، وقد اتفقا على الزيادة لقاء تأخير الثمن، سواء اتفق على دفعه مرة واحدة في المستقبل أو على دفعات، وقد تم ذلك بقبول الموجه إليه العرض إحدى الصفقتين، فيكون هذا بمثابة الإيجاب من المشتري فإذا اقترن ذلك بقبول البائع، فهل يتم العقد عندئذ وهل يصح الاعتياض عن الأجل بالمال؟
للفقهاء رأيان في المسألة:
١- ذهب أصحاب الرأي الأول إلى القول: إن الزيادة في الثمن نظير الأجل، كالزيادة في الدين نظير الأجل، فكما أن الزيادة الأخيرة تعتبر ربا كذلك الأولى. هذه وجهة نظر زين العابدين علي بن الحسين والهادوية والإمام يحيى وأبو بكر الجصاص
. وقد استدل أصحاب هذا الرأي بأدلة من الكتاب والسنة والقياس والمعقول.
(أ) فمن الكتاب عموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، فالآية أفادت تحريم البيوع التي يؤخذ فيها زيادة مقابل الأجل، لدخولها في عموم كلمة الربا وهي تفيد الإباحة في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . فإن كل العقود الربوية مقيدة لهذه الإباحة.
(ب) واستدلوا بالروايات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في نهيه عن بيعتين في بيعة والتي فصلنا الكلام فيها مسبقًا.
(ج) قاس أصحاب هذا الرأي زيادة الثمن مقابل زيادة المدة على إنقاص الدين عن المدين مقابل تعجيل الدفع فلا فرق بين أن تقول سدد الدين أو تزد في نظير للأجل وأن تبيع بزيادة في الثمن لأجل التأجيل، فالمعنى فيهما جميعًا أن الأجل له عوض، وهو بمعنى الربا.