للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية أن رجلًا باع من رجل حريرة بمائة، ثم اشتراها بخمسين، فسئل ابن عباس عن ذلك، فقال دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة، وسئل ابن عباس عن العينة – يعني بيع الحريرة – فقال: " إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله ورسوله، وروى ابن بطة بإسناده إلى الأوزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع)) ، يعنى العينة، وهذا المرسل صالح للاعتضاد به والاستشهاد، وإن لم يكن عليه وحده الاعتماد.

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته: أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم، وامرأة أخرى، فقالت لها أم ولد زيد: إني بعت من زيد غلاما بثمانمائة نسيئة واشتريته بستمائة نقدا فقالت: أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب، بئسما شريت، وبئسما اشتريت. رواه الإمام أحمد وعمل به، وهذا حديث في شعبة، وإذا كان شعبة في حديث فاشدد يديك به، فمن جعل شعبة بينه وبين الله، فقد استوثق لدينه.

وأيضًا فهذه امرأة أبي إسحاق السبيعي – وهو أحد أئمة الإسلام الكبار – وهو أعلم بامرأته وبعدالتها، فلم يكن ليروي عنها سنة يحرم بها على الأمة وهي عنده غير ثقة ولا يتكلم فيها بكلمة، بل يحابيها في دين الله، هذا لا يظن بمن هو دون أبي إسحاق.

وأيضًا فإن هذه امرأة من التابعين قد دخلت على عائشة وسمعت منها وروت عنها، ولا يعرف أحد قدح فيها بكلمة، وأيضًا فإن الكذب والفسق لم يكن ظاهرًا في التابعين بحيث ترد به روايتهم.

وأيضًا فإن هذه المرأة معروفة، وسمها العالية، وهي جدة إسرائيل، كما رواه حرب من حديث إسرائيل: حدثني أبو إسحاق عن جدته (العالية) يعني جدة إسرائيل، فإنه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، والعالية امرأة أبي إسحاق، وجدة يونس وقد حملا عنها هذه السنة – وإسرائيل أعلم بجدته وأبو إسحاق أعلم بامرأته.

وأيضًا لم يعرف أحد قط من التابعين أنكر على العالية هذا الحديث ولا قدح فيها من أجله، ويستحيل في العادة أن تروي حديثًا باطلًا ويشتهر في الأمة ولا ينكره عليها منكر.

وأيضًا فلو لم يأت في هذه المسألة أثر لكان محض القياس ومصالح العباد وحكمة الشريعة تحريمها أعظم من تحريم الربا، فإنها ربا مستحل بأدنى الحيل.

وأيضًا فإن في الحديث قصة، وعند الحفاظ إذا كان فيه قصة دلهم على أنه محفوظ، قال أبو إسحاق: حدثتني امرأتي العالية، قالت: دخلت على عائشة في نسوة فقالت ما حاجتكن؟ فكان أول من سألها أم محبة فقالت: يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم، قالت: فإني بعته جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء، وإنه أراد بيعها، فابتعتها منه بستمائة درهم نقدًا، فأقبلت عليها، وهي غضبى، فقالت بئسما شريت، وبئسما اشتريت، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده إلا أن يتوب، وأفحمت صاحبتنا، فلم تتكلم طويلًا، ثم إنها سهل عليها فقالت: يا أم المؤمنين، أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فتلت عليه: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [سورة البقرة: الآية ٢٧٥] .

وأيضًا فهذا الحديث إذا انضم إلى تلك الأحاديث والآثار أفادت بمجموعها الظن الغالب إن لم تفد اليقين.

وأيضًا فإن آثار الصحابة كما تقدم موافقة لهذا الحديث، مشتقة منه، مفسرة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>